بقلم - ناصر الظاهري
هالني خبر اختراع كاتب عمود صحفي في سلسلة الذكاء الصناعي، الأمر الذي يشكل تهديداً للكهنة من كتّاب الأعمدة اليومية الذين يتبعون فنجان القهوة بأخيه، والسيجارة تلو أختها، ويُعيّشون المنزل والأولاد في صمت وخوف مطبق، هذا الاختراع بث رعباً وظيفياً وضرراً بمصالحهم المرسلة، يقول لك بس اقترح على الكاتب «ابن الديجتال» أي موضوع، لا بيحك جبهته، ولا بيتحرك عنده القولون، ولا بيقول لك ما عندي مزاج الحين، دقائق ويكون الموضوع جاهزاً، منقطاً ومصححاً لغوياً ونحوياً، قد يكون في البداية الموضوع صلباً أشبه بلوح الصابون، ولكن مع الأيام ما يحتاج لعاطفة فيّاضة، سيذر كلمات تستجلب الدمع والبكاء، وما يحرك الأوجاع والأشجان سيأتي بكلمات ترتقي للموقف، وما يحتاج تحريك الخواصر، سينتقي له كلمات من الظرافة والتندر والضحك، وبلا مِنّة كاتب يوجع الرأس، ويُعلّ القلب بشروطه واشتراطاته.
الثورة في الذكاء الصناعي مذهلة، وقد تتخطى كل الحدود، ففي التجارب الأولى، جعلوا من ذلك الحاسب مؤلفاً موسيقياً، سطا على معزوفات «موزارت»، وقلدها، ثم تخطاها، وأشاعوا أن هناك قطعة موسيقية قديمة، وجدت بالصدفة للموسيقار «موزارت»، دعوا النقاد الموسيقيين أن يتفحصوها، ويقيموها، ويقارنوا بينها وبين مقطوعات «موزارت»، فكان جوابهم الفيصل أن هذه القطعة تخص بدايات التأليف الموسيقي عند «موزارت»، وربما ألفها في مرحلة مبكرة من حياته، الغريب أنهم جلبوا مقطوعات لموسيقيين مختلفين واستطاع الحاسوب بذكائه الاصطناعي أن يميزها ويفندها، وينسبها لمؤلفها الصحيح.
لاعب الشطرنج الروسي «كسباروف»، هزم الذكاء الصناعي لأول مرة، لكن وحين استوعب الكمبيوتر تفكير وطريقة لعب «كسباروف» هزمه في الجولة الثانية، وفي
اليابان أعلنوا عن مسابقة في الشعر، فتلقوا آلاف القصائد من شعراء اليابان، وبعد الفرز والترجيح أعلنوا عن فوز شاعر ياباني شاب، فاستبشرت اليابان كلها بولادة شاعر في القبيلة، لكن تلك الفرحة لم تتم حين أعلن الفائز أن من نظم القصيدة هو ذاك الكمبيوتر الذي لم يكن بحاجة إلى إلهام ومحفز، ودون أن يتأثر بالبيئة المحيطة بالشاعر، ولا دعته الضرورة أن يسهر عند نافذة الحبيب، ولا يقف على الأطلال متذكراً دارساً والرقيم.
الذكاء الصناعي سيهدد كل شيء، ولن تجد بين الحواسيب عاطلاً عن العمل، ولا مستجدياً للقطاع الخاص، وسيضرب بعرض الحائط شروط التوظيف الوهمي، مثل: دائرة بحاجة إلى موظف مواطن خريج جامعة، لديه خبرة عشر سنوات، قضاها في أعمال البر والتقوى، ويشترط في المتقدم ألا يزيد عمره عن خمسة وعشرين عاماً!