حفرة ثانية في بيروت

حفرة ثانية في بيروت

حفرة ثانية في بيروت

 صوت الإمارات -

حفرة ثانية في بيروت

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري


لم يتعاف هذا البلد، لا من الغريب، ولا من القريب، ولا من ابن البلد، وكأنه موعود بالآلام، وعذابات الصلب، وحده يتصعد من أوجاعه نحو نهاية لا أفق لها، رغم أنه بلد عريق، وشعب عنيد، ودائماً ما كان يطرح كل شيء جميل، وتحت ظل كل شجرة مرّ رجّال، ومر ذكر من التاريخ، وغبرة الأيام، لكنه لا يترك وحده ولوحدته، لبنان اليوم فقط وحيداً في الخلاء، ووعود بالخراب آتية، بالضياع آتية، وبنهاية رمادية آتية، لأنه رحى من حجر صوان، والكل يريد طحناً وحَبّاً منه، والدولة ضعيفة مهلهلة، لا يعضدها قانون، ولا يسعفها منفذ القانون، تتقاسمها طوائف وأزلام، وزعامات عائلية دهرية تريد الاقتسام في كل شيء في الوطن، ولا تريد الوطن، وميليشيات ترفع صوتها على الجيش والقانون وسمعة الوطن، تتغذى من الخارج، وتسترزق من الخارج، وأمرها ونهيها من الخارج، قبلتها نحو الخارج، وتربتها للسجود تربة من الخارج، وحده اللبناني «الهمشري والمعتر» والنبيل في نياته، والسعيد الذي يعرف كيف يدير حياته، الآن هو في الخارج وإلى الخارج، إما مهاجراً نحو زرقة بحور بعيدة طلباً للرزق والأمان والنجاح، حاملاً جرحه ورعاف قلبه في حقيبة سفره أو مطحوناً في بلد يراه يحترق ويخترق أمام عينيه كل ساعة وحين، لا الشوارع كما كان يحبها، طليقة فرحة زاهية ومزهوة برونق الحياة الملونة، لقد تحجبت بصور أصنام مستوردة، ولافتات سياسية تَسْخُر وتَسْخَر من التاريخ ومعاركه شبه الكاذبة، محاولة امتطاء المدينة بخيول مسرجة بالدجل والغلواء، حتى المقاهي ما عادت تضم الأصدقاء ورفاق العمر، وتحمل ثرثرات في الثقافة والفن والفكر والسياسة والحياة كيفما يجب أن تعاش، أيام كانت بيروت حاضنة العرب ومتنفس العرب، وحلم العرب بمدنية جديدة تحمل فسيفساء التنوع والتسامح والتجانس، وأن الاختلاف لا يعني الخلاف، بيروت.. لقد هجرها محبوها، ولم يبق فيها غير عشاق هم روافدها، وهي رئتهم التي تمنحهم العافية.
انفجار بيروت، هل هو شبيه بتلك الحفرة العملاقة بجانب «سان جورج» يوم عيد الحب، وأودى بحياة سياسي كان يريد الحب للبنان، هل هو مرتبط بنتائج القضية التاريخية لاغتيال الحريري، والتي ستعلن المحكمة نتائجها بعد أيام قليلة؟ هل ثَمّ عبث جديد يريد خلط الأوراق، ويريد إحداث فوضى غير خلاّقة، ويريد أن يجعل من لبنان ساحة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات، وكل التداعيات، وكل هذه الحرائق.
المشكلة أن لبنان غير مستعد، ولا عنده الجاهزية، ولا كانت في حساباته أن تمطر السماء في آب اللهّاب مصائب لا تنتهي، بل تزيد من محنة الناس وضيقهم بسبل الحياة، وصعوبة أن يجد أكثرهم لقمة يومه بسهولة ويسر، وكل تلك الأنهر الجارية تحت أقدامه، والخيرات المنهوبة من أرضه، وهو الوهاب غير النهاب دائماً، لبنان لم يكن مستعداً لهزائم داخلية أخرى، لبنان بحاجة لفرحة ولو صغيرة لتعينه على قساوة الحياة، وقسوة محبيه، وقسوة معاديه!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حفرة ثانية في بيروت حفرة ثانية في بيروت



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates