بقلم - ناصر الظاهري
الفرق بين الكتّاب والمحللين العرب وبين نظرائهم من الكتّاب والمحللين الأجانب، كالفرق بين البيع بالبركة، والبيع بالميزان الرقمي، البيع بالبركة يمكن أن تهيل وتجمع، وتملأ كيسك في سوق الخضار الشعبي، وهو أكثر مما تحتاج، فيناظرك البائع الذي ميزانه عينه من بعيد، ويقول لك: «شيل يا عم.. توكل، هات عشرة دراهم»! أما البيع الرقمي في المحلات الراقية، فيمكن أن يزن لك «فنخ يحّه»، لأنه حاجتك، ويظهر لك ورقة مكتوباً عليها 17 درهماً!
حين يظهر المحلل والكاتب العربي فتوقع منه كل شيء وبلا وزن أو مقياس أو مقدار أو مكيال، كله على البركة، بحيث يمكن أن يحلل الوضع الاستراتيجي بين الكوريتين خلال محادثة هاتفية لمذيعة مستعجلة ليس لديها شيء تقوله إلا: «نعم.. نعم .. وصلت الفكرة، أريد أن أعتذر منك لقد داهمنا الوقت»، يخرج الكاتب العربي، ويشرح للقراء أن صفقة الطائرات الأميركية «إف 35» هي مجحفة بحق الإمارات مثلما كانت صفقات الطائرات الأميركية السابقة مع بعض الدول العربية، حيث تسلموا طائرات دفاعية، لا هجومية، لكي لا يختل توازن القوى، ويتغير التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط، ويظل يكيل بلا كيل، ويهلّ دون أن يملّ، ويعطيك دفعة واحدة كل الذي في رأسه بشأن صفقة الطائرات التي أبرمتها الإمارات، ويعدد الشروط التي يرى فيها الغبن والاستغلال وهضم الحق العربي، طيّب يا أخي.. شكراً على هذه النصيحة العربية الغالية! لكنك لا تعرف أيها الكاتب والمحلل الفرق بين «الترنادو وإف 16 والميراج» و«طيارة أم أحمد»، وعمرك ما دخلت المجال العسكري، ولا حتى فريق الكشافة، فمن أين تَحَصّل لك هذا العلم، وتلك المعرفة التي تخولك أن تخلص وتلخص صفقة معقدة، بتفاصيل فنية متشابكة، لا يعرفها إلا أصحاب تخصص التخصص، حتى وزير الدفاع الأميركي لا يفقه فيها شيئاً؟
كتّابنا ومحلّلونا العرب الأشاوس يعتقدون أن الصفقات العسكرية بيع وشراء وتسليم واستلام، يعني بيع بالجملة أو بالبركة، غير مدركين أمر اللجان، وسير الفريق الفني الفاحص، وعودة الفريق الفني المراقب، وتعيين مدربين، والتدريب، وتجارب مختلفة، وطلب أجهزة فنية إضافية، وفق ما تتطلبه مصلحة المشتري، ووفق ظروف بيئته، وإمكانياته، وهناك فرق عدة تعمل بالتقاطع والتوازي، وفي أوقات مختلفة، وهناك فرق لا تعرف الواحدة عن الأخرى، وأشياء كثيرة يشيب لها غير المتخصصين، والإمارات أعرف بكل هذا، وأخبر من كل هؤلاء، وأدرى بمصالحها، وليست بحاجة لنصيحة ناقصة، ولا بحاجة لوصاية جاهلة.
الكاتب والمحلل الأجنبي قبل أن يكتب أو يظهر على الشاشة سيحضّر الموضوع، ويقرأ آخر المستجدات، وسيوثق حديثة بمعلومات أكيدة ومن مصادر مختلفة، وقد يخبئ معلومة نتيجة قراءاته وتحليله للموضوع ليفاجئ بها المشاهدين أو القراء، وخلال حديثه الطويل لن تجده يحلف بأيمان غليظة، ولن نعرف أنه بكالوريوس تجارة عين شمس، وماجستير هندسة من إنجلترا، ودكتوراه في الطب النووي، ولن يرسل رسائل وإشارات للطرف المستفيد، ليستفيد منه، ثم هناك أمر في غاية الأهمية، وهو أن الكاتب والمحلل الأجنبي لن يهرف بما لا يعرف، وإن لم يكن متخصصاً في الموضوع، فسيدلهم على زميل له أكثر خبرة ودراية بهذا الموضوع، وأفضل منه، فالمسألة من أولها إلى آخرها ليست بيعاً بالبركة أو الجملة!