بقلم - ناصر الظاهري
يختلف الناس في التعامل مع أحزانهم، بعضهم يوزعها على هموم الأيام والحياة، والبعض يتشاطرها مع الخُلَّصّ من الناس، والبعض يهرب منها معتقداً أنه مهرولٌ نحو الأمام، غير أن الحقيقية أنه هروب إلى الخلف، حيث تظل تلك الأحزان تطارده في فترات استراحته، فلا يدري كيف سيتبرأ منها أو يتطهر، في حين البعض الآخر يلملم أحزانه ليهرب بها بعيداً، هناك.. حيث يتوحد بها، إما يهزمها أو تجعل صدره غاصّاً بالدمع الذي يشبه الرصاص المذاب.
- هل لدمع الحزن طعم يشبه الملح، وللفرح طعم السلسبيل؟ هل يجرح دمع الحزن مقلة العين، والفرح يُجْليها؟ هل منبع دمع الحزن الصدر، والفرح مجراه القلب؟ دمع الفرح بارد، ودمع الحزن سخين.
- الحزن الشيء الوحيد الذي لن تجد أحداً يحسدك عليه، ولا مكان قريباً منه يمكن أن يُؤوي إلا الشامتين، والمنفيين من إنسانيتهم.
- الحزن يسرق بهاء العين، ويطفئ بريقها على مهل وتؤدة، وحده الفرح يجعل فيها تلك الالتماعة التي تُسْفِر من بعيد، مخبرة العالم أن هناك شيئاً زغزغ القلب، وأفلت حمامته من قفصه الصدري.
- الأحزان وحدها تغتالنا فجأة، وتسَمّر أرجلنا في مطرحها، ثم تسحبنا من كل أشيائنا، لتعلن تأجيلها أو إلغاءها، ونقرّ نحن حينها أنها كلها لا تساوي ذلك الحزن الذي ربض على القلب كحجر الرحى، مستمطراً دمع العين الأبيض.
- عليك ألا تجعل من الحزن رفيق درب طويل، قاصر خطاك ليسبقك أو حث رَكْبك لئلا يلحقك، ولا تبيتنّ ليلاً، وهو خمرةُ سمرك، ولا نديمُ وقتك، ولا رديفٌ في متابعة سفرك.
- الحزن تنوء به صمّ الجبال، ويكسر هامات الرجال، وحده الفرح يزاغي الطير في السماء، وتحمله الأجنحة السابحة في الفضاء، الحزن كذر الرماد ولونه، والفرح منثور الزهر ولون الورد.
- الحزن ثقيل لا يبرح مكانه، ولا يغادر خلجانه، في حين الفرح قليلاً ما يمكث، وسريعاً ما يلوح بابتسامته مودعاً.
- الحزن عدو، والفرح صديق، وقدرك أيها المتجلي بعفويته، الفاتح قلبه مثل باب مشرع على المدى، أن يكثر أعداؤك، ويقلّ أصدقاؤك.
- «صباح الخير أيها الحزن»! قالتها مرة امرأة فرنسية، وغادرته إلى الأبد مثل زوج عاق، يحمل الوزر والرجس نحو فضاءات الحياة الملونة، وأغلقت أبوابها ونوافذها على الفرح، ولم تعد تُصَبّح على جارها الحزن كعادتها مرة أخرى.