بقلم - ناصر الظاهري
على الرغم من كل تلك الشتائم المشتركة التي تشترك فيها شعوب العالم، ويتعاركون بها كعنف لفظي، إلا أن بعض الشعوب تنفرد بـ «ثيمات» خاصة بها، كالألمان حين ينعتون الآخر بـ «النازي» كجزء من تبرئة تاريخية يريدون أن يتطهروا منها، ولا أدري إن كانت تلك مسبة عند اليهود الذين عانوا من أفعالها تجاههم، أما اليابانيون فيعدون «إهانة الذكاء»، و«عدم مراعاة أنظمة الأدب» من أبشع الشتائم التي توجه لهم، أما الكوريون فيعتبرون أن «الإجابة غير المؤدبة للناس، خاصة أفراد العائلة والسلطات» من أقذع المسبات.
عند العرب تطفو «ثيمات» كالكفر، وسباب الدين، والجنس، والمثلية، واحتقار المهن، والطبقية، والتطاول اللفظي على القبيلة والعشيرة، وأفراد العائلة، خاصة الأم، والأخت، كنوع من امتهان الأنثى في المجتمع الذكوري، ثم يأتي سب الأب، وكذلك التشبيه بالحيوانات، بحيث تؤخذ مساوئ الحيوان، وربما محاسنه، وتلصق بالمسبوب، ولو كانت هذه الحيوانات مستأنسة، ويحبونها، وتخدمهم في الحياة، كالجمل والكلب والحمار والجحش، والحصان والبغل والتيس والبقرة والثور، كذلك العنصرية، حيث يمكن أن ينعت المسبوب بأفضل ما هو موجود في طبيعة الآخر، وتلصق بالمسبوب، كأن يقال للرجل هذا يشبه امرأة أو ابن امرأة أو العكس، يقال هذا ما ولدته امرأة تفاخراً، وذماً للمرأة، كذلك هناك الشعوبية أو العصبية أو الكره العنصري، والتفاضل على الآخر، وتحقير كل ما يمت له بشكل مطلق، والتعرض لـ«الشرف» عند العرب مسبة تجلب العار، والعار لا يطهره إلا الدم، ولأن العرب في زمنهم الغابر يعدون من الشعوب الكريمة، والتي تكرم الضيف، ولو كان عدواً مطلوباً، فقد كان تعيير الآخر بأنه بخيل من النقائص، وربما اليوم لا تساوي هذه المسبة أي قيمة سلبية تذكر، كما سالف عهدهم، ولقد حاولت أن أضرب أمثلة، لكنها مخجلة، ولا تصلح في هذا المقال والمقام، رغم ضرورة الموضوعية في البحث، وأقلها كما جاء في كتب التاريخ ما عيّر به حمزة بن عبد المطلب أحد الكفار، وكانت أمه تعمل «خافضة» تختن النساء، فعيره بمهنة أمه، لكنه سباب قوي لا يذكر، ومما قد يصلح، كمثال شبه مهذب يمكن أن نسوقه، القول للرجل: «أرى في لحيتك خناثاً» أو «لا أبا لك» أو «الهرط» وهو شبيه الرجل أو الرجل الناقص، وهناك مسبات تخص الأمور الخلقية في الناس، فقد كانوا يبالغون فيها بالمسبة والمبالغة، وخاصة التي تتعلق بالمرأة أو بالإماء والعبيد أو الغرباء من الناس، لكنهم فيما بينهم وحين يتسارون، واحتراماً للآخر يطلقون عكس الكلمة، فيسمون الأعمى بصيراً، والملدوغ سليماً لعدم إحراجه.
وهناك شعوب أخرى، رغم حبهم للحيوان، وتقديرهم للمرأة، كالفرنسيين مثلاً، فإنهم يلصقون أبشع السباب مستعيرين الحيوان، وربطه بالمرأة، فشتيمة الكلبة بالفرنسية، تعني المرأة العاهرة، وهناك مسبة عند الصينيين غريبة، فإذا ما قلت للآخر إنك: «ستبيد عائلته عن بكرة أبيهم» فهذا معناه الحرب، ويشترك الهنود مع العرب في مسبات كثيرة مثل: الأم والأخت وعدم الرجولة والمهن التي لا تليق بالرجل. الإيطاليون، ولأنهم تبنوا المسيحية، فالكفر لديهم، عاقبته وخيمة، وسكان مالطا، ونتيجة للغتهم الغريبة والقريبة من اللغة العربية، فليس كل ما تسمعه بالضرورة يعني ما فهمته، لكن ما عند الأميركيين من سباب في الطالعة والنازلة، والذي تشيب منه رؤوس بعض الشعوب، نراه أمراً عادياً عندهم، ولا يقتضي حتى مشاجرة أو الرد العنيف، ولو وصلت الأمور للأم، ولو بقيت تسب أخت الأميركي أو عمته أسبوعاً، فلن تحرك فيه عضلة غضب.
لكل شعب من شعوب العالم فلسفته في العنف اللفظي، وردة فعله تجاه التعارك بالألسن.