رحل أحد ندماء الوقت

رحل أحد ندماء الوقت

رحل أحد ندماء الوقت

 صوت الإمارات -

رحل أحد ندماء الوقت

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

قد تفتح المدن.. لكن من يستدعي الأصدقاء ليحضروا فيها كعادتهم، قد تضج الشوارع بوطأة الأقدام ودبيبها، لكن أين هم رفاق الدرب الطويل، قد تَحلّ المقاهي أبوابها وتنضد كراسيها وطاولاتها، لكن أين هم ندماء الوقت؟!
لكم كثرت مراثينا هذا العام! تساقط الأصدقاء في منافيهم القريبة والبعيدة، ولا وداع حقيقياً للراحلين، كثرت نعوش الأحباب في جهات الدنيا، ولا تلويحة وداع وصلت منهم، ولا خطوات مثقلة بالحزن تبعت جنائزهم، عام يلفه الصمت في فرحه وحزنه، ولا مظاهر إلا كمامات تكتم الأنفاس، وأخبار تغث القلب، عام شهوده الرماد، وشواهد قبور خالية من باقات ورد وزهر أو رطبة بماء وأدعية المشيعين.
آخر الراحلين عنا في غفلة منا، مثل موت الفجاءة، كان الصديق الكاتب الصحفي «مصطفى كركوتي» هذا الذي اقتسمت نشأته مدن مثل «اللاذقية والقاهرة وبيروت»، ومدن احتضنته مثل «أبوظبي ولندن وكان»، «مصطفى» لا يمكن أن تخطئه العين، دائماً ما يستقر في ذاكرة الناس كرسم، بذلك الشنب المعتنى به طوال سنين مديدة، مثلما استقر من قبل في ذاكرة الكثيرين بتلك المعرفة الشمولية، والتحليل السياسي، والتجربة الصحفية الطويلة، وبدماثة خلق، ولطف إنساني رفيع، كان يحب الجَمعَة، ويحب لمّة الأصدقاء، وسمر الليالي المتوزعة على نقاشات وضحكات الحضور، كان جميلاً في «لندن»، وجميلاً في «كان»، حيث باب بيته مشرع للأصدقاء من كل مكان، كان جميلاً في كل المدن إذا ما صادف وجمعتنا المدن، شكل مع نصفه الثاني «فاتن العمري» ثنائياً جميلاً، ومتوائماً ومرحاً، والضحكات دائماً ما تتتابع منهما، بدأ عمله الصحفي مع وكالة أخبار في بيروت «أورينت برس»، كان يملكها الصحفي المصري النبيل «علي جمال الدين»، ثم انتقل للعمل في جريدة «السفير» اللبنانية، بعدها انتقل إلى لندن مديراً لمكتبها، عمل مع عدة صحف وقنوات فضائية عربية وأجنبية، ترأس تحرير مجلة «هنا لندن»، الصادرة عن «بي بي سي»، كان رئيس جمعية المراسلين الأجانب في لندن، ولعل من ذكريات عمله الصحفي الطويل والمتعدد تجربة حادثة السفارة الإيرانية في لندن، حين دخلها خاطفون، وكان مصطفى فيها حينذاك، وبقي لأسابيع يعمل مترجماً بين الخاطفين والشرطة البريطانية، حتى اقتحمتها القوات الخاصة وحررت الرهائن، وحررت «مصطفى» معهم.
آخر اللقاءات به كانت في «كان» قبل سنتين ويزيد، حين دعاني لسهرة مع مجموعة من الأصدقاء السينمائيين والفنانين في شقته المطلة على البحر، ثم بعدها بأيام حضر وزوجته الجميلة عرض فيلمي في «الباليه دو فسيتيفال»، ثم اصطحبتهما ومجموعة أصدقاء فرنسيين وأمريكيين ولبنانيين وآخرين من السويد وأستراليا والمجر وروسيا في مطعم تاريخي قديم، في عشاء ساهر وزاخر بالفن والموسيقى وأجواء مهرجان «كان»، تلك الليلة كانت آخر ليلة.. لـ «فاتن»، وأبنائه «شهلا وأحمد وطلال».. لأصدقائه الكثر كل العزاء، ولو أنه لا عزاء للجميلين في حياتنا.. ولا في الساكنين قلوبنا وذاكرتنا.. لنديم الوقت الرحمة، ولروحه السكينة والهدوء الأبديين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحل أحد ندماء الوقت رحل أحد ندماء الوقت



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates