بقلم - علي ابو الريش
الإنسان الواعي يدرك المزايدات، خاصة حين تأتي من طغمة فساد مستشرٍ، ذات التاريخ النضالي المحاسبي، والمفاوضات خلف الدهاليز الباردة، أو تأتي من جماعة فاشلة سياسياً، وتغطي هذا الفشل في المجتمع المدني بالدين، كتقية انكشفت للعالم، ومثلما يمقت الإنسان الواعي والمتحضر المزايدات الفارغة، ترهقه أيضاً تبريرات البعض لما قامت به الإمارات ووفق مصالحها العليا، وتوجهاتها الوطنية بإعلانها إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حيث لا تنفع التبريرات الصادقة مع المزايدات والمغالطات؛ لأنهما في اتجاهين متعاكسين، ونحن في الإمارات لا نحتاج للتبريرات لقرار سياسي وسيادي، مثلما لا نقبل بالمزايدات المسيسة والمنفعية والباغضة، حيث قوبل هذا الاتفاق بتنديد فلسطيني في بيانات منفصلة، وبإجماع فصائله المتناقضة والمتعادية، والتي لم تتفق على مسار القضية، وحل الدولة أو الدولتين أو مصير اللاجئين منذ سبعين عاماً، مثل «حماس» و«فتح» و«الجهاد الإسلامي»، واعتبروه «طعنة» في حق الشعب الفلسطيني ونضاله وتضحياته وإضعافاً لموقفه، واعتبرته القيادة الفلسطينية في بيانها خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، مكبرات الصوت الفلسطينية تعودنا عليها طوال سنين «النضال»، وتعودنا على الخسائر في كل المواقع والأمكنة والمدن، والتي تأتي من الخطاب الحماسي للتضليل، رافعة شعار النصر في عز الانكسارات، ولعل تجربة دولة الكويت مع القرار الفلسطيني إبان الاجتياح العراقي خير مثال للانحياز الفلسطيني الخاطئ، والرهان الخاسر، وبدلاً من أن ينفعوا الشعب الفلسطيني، ويدعموا قضيتهم المشروعة، خسروا الكثير، مع اعتذاريات جاءت في غير وقتها، وتراجعوا خطوات بعيدة للوراء.
تركيا المستفيدة الوحيدة من خلال خطوط الطيران في نقل مواطني إسرائيل إلى الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وحتى أوروبا الشرقية، لكن «أبا بلال ما يريد يعبرنا»؛ لأنه يعمل بالمصلحة التاريخية لبلاده، ومصرّ على أن السلطان العثماني هو الخليفة، وهو وحده من يحق له إبرام الاتفاقيات وتبادل المصالح مع إسرائيل ووضع الزهور على قبر مؤسس إسرائيل «هيرتزل»، وأنه يريد الإنابة عن بقية الدول العربية والإسلامية، بالرغم من أننا نفهم الفرق بين فرض العين وفرض الواجب، مثلما نفهم العربي والعبري، ولا نفهم التركي.
ضريبة فلسطين وطابع ربما بخمسة دراهم منذ الستينيات بقرار من الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، والهدف كان التواصل مع الفلسطينيين، وقضيتهم العادلة، واستمرت سنوات طوالاً.. طوالاً، كان بإمكان الشيخ زايد وأبوظبي والدولة فيما بعد، أن تدفعها لكن القائد المؤسس كان يريد ذلك التواصل الروحي والفعلي مع قضية فلسطين، وأن يرسخها في الوجدان، وكان الناس فرحين بأن يقتطع من رواتبهم القليلة يومئذٍ، ومن شراء تذاكر سفرهم، ومن أشياء كثيرة في حياتهم كأقل واجب نقوم به كأفراد، أما كحكومة وحكام وإمارات ودولة وجمعيات أهلية، فقد كان الواجب ونيل الشرف يتقدم كل أفعالنا، ويسبق نياتنا، كنا نكيل ونزيد، ولا نعد، ولا نحصي، ولا نمن، بل نعفو، لأن فلسطين غالية.