تذكرة وحقيبة سفر

تذكرة.. وحقيبة سفر

تذكرة.. وحقيبة سفر

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر

ناصر الظاهري

بالرغم من أن لباريس عشقاً من نوع آخر، فيها الثقافة والمعرفة والفن والموسيقى والملابس والعطور، وأكلات الدنيا، والأشياء الجديدة المبهرة، فإن لجنوب فرنسا سحره، ولمعة سمائه، وجمال ليله، وضجيج صيفه، فيه الهدوء إن اشتهيت الهدوء، وبعدت عن ضجة المدن، فيه الطبيعة الخضراء إن كانت عيناك وروحك بحاجة للتأمل وقراءة الحياة ومستجداتها، وأين تقف أنت بعد كل هذه السنوات وخطى العمر، فيه اللقمة البدائية بطعم الريف كيف ما كان على حاله منذ الأزل، فيه البحر، غير أنه ليس مثل بحور الدنيا، بحر جميل بمن يؤمه، فيه اللهو والمتعة، وقضاء الأوقات بعفوية، يأتيه المصطافون من كل مكان، هو للفقراء وللأغنياء والذين يبحرون بسفنهم «الفنادق» على حواف المدن البحرية، وفيه المتأملون الناس عن بعد، يأتيه المغامرون والمقامرون حيث يختلط ليلهم بنهارهم، بين ضحكات الفوز الفاجرة، ودموع الخسائر المتحجرة.

حين تنزل الجنوب ثمة قرى على أطراف المدن المشهورة، لكل واحدة رونقها وشخصيتها وخصوصيتها، تلك التي تصنع العطور، وتلك التي تعصر العنب، وتلك التي لها رائحة الزهور والصابون، مثلما هناك مدن تسكن حد البحر، وظلت مخلصة له، يمكن ان تستطعم أطيب الأكلات البحرية وثماره، في تلك المدن هناك مطاعم بعشرة «يورو» أو مما ينقدون، ومطاعم بألف ويزيد، لكن كلما مررت متجهاً إلى الجنوب أتوقف في «الإكس بروفانس»، هناك.. وقبل أكثر من ثلاثين عاماً، أمضيت وطراً من رمضان، وكنت أفطر عند عجوز يهودية من أصول مغاربية، كانت تقدم لي أشهى إفطار، وكأنه لابنها الغائب، كانت تدير مطعماً ونزلاً عائلياً، اليوم غابت تفاصيله، مثلما غابت تفاصيل تلك العجوز الطيبة، حيث تكثر هذه الأشياء العائلية أو التي تدار بأفراد العائلة الواحدة في المناطق التي ما زالت على فطرتها، كما أتذكر مدينة بعينها، تسمى مدينة النسيم العليل، «افنيون»، مدينة ساحرة، وتزداد ألقاً في مهرجانها الصيفي، حيث يجتمع مسرحيو العالم الساخرون، وعشاق مسرح الطرقات والمهرجون، لا تترك «افنيون» إلا ويتبعك شيء منها، ومن ظلها، وأما «نيس ومرسيليا» فقد انحبست فيهما أنفاسي بعد أيام جميلة وسعيدة، يومها وقف العالم على أطرافه، حين اشتعلت نيويورك ومدن أميركية بتلك التفجيرات.

جنوب فرنسا غاية من يريد السكون لنفسه، ويريد الانعتاق، ويريد أن يجد نفسه بعد سنوات من الضجيج، لذا هو المكان المفضل للمتقاعدين الأثرياء بعد أن يكونوا ملّوا من فجائع النفس، وما تأمر به من حيلة وانقضاض على أموال الآخرين، يتقاعدون لكي يسجلوا بطولاتهم الوهمية، وأنهم كانوا عصاميين، وبدأوا مشوار حياتهم بدولار واحد فقط، يحكونها لأناس أقعدهم خريف العمر أو يريدون أن يتسلطوا على أموال غني مشحم في آخر عمره، ولا يراعي صحته، ولا تناول أدويته بانتظام، مضطرين أن يسمعوا قبل أن يلهفوا، وهو يعرف غايتهم، لكنه يريد أحداً لكي يسمع حديثه المكرر، شبه الممل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر تذكرة وحقيبة سفر



GMT 20:07 2024 السبت ,04 أيار / مايو

الأكاديميا الأميركية

GMT 22:16 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

الأوليمبياد لم يعد يجري خلف أسوار!

GMT 02:23 2022 السبت ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الجائزة... وإنما

GMT 23:56 2022 السبت ,25 حزيران / يونيو

زوغ زوانغ

GMT 19:18 2022 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

عودة الخوف إلى القارة القديمة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates