بقلم - ناصر الظاهري
كان ذلك المرشد الإيطالي العجوز الذي يشبه «زوربا» في جانب من حياته، تلك الشخصية التي كان حرياً بها أن تكون إيطالية، ومن الجنوب بالذات، لا يونانية، لأن لديها ذلك الانعتاق، ولهفة الحياة، والروح المحبة للجارات السمينات، بعض المرشدين السياحيين يشبهون زوربا، تجدهم يتعاملون مع السائحات الأجنبيات مميزين في دواخلهم، ماذا تعني لأحدهم الأميركية التي تتعامل معه بقطع نقدية صغيرة من الدولار؟ بادية اهتماماً مبالغاً فيه بزوجها المرح ذاك اليوم، وكيف يصنف أحدهم العجوز الفرنسية المتصابية وعنجهيتها التي تأتي في غير وقتها وزمنها؟ تماماً مثل عطرها «شانيل 5» المؤكد حياديته على جلدها الباهت، وكيف يرى أفراد الشعب الهندي، وتعاملهم الحذر مع العملة، ومع الآخر الذي يعدّونه مشروعاً غير مخلص على الأقل، إن لم يكن نصاباً، كيف هم شعوب آسيا القصوى الذين يظل يتعامل معهم بخجل بوذي؟ لا يعرف متى يضحكون أو متى يمزحون فيما بينهم، ومتى تقف الأخلاق كحاجز ديني بينهم وبين الآخر؟ كيف يشفق على شعوب أميركا اللاتينية، لثقل فهمهم لجمله الأولى بوضوح؟ كما أنهم كثيرو التساؤل، ويتمنى لو أنه لا يدفع ثمن أخطائهم السياحية، كعدم حملهم لعملة البلد أو فكة معدنية حاضرة أو يصرون أن يشتروا بطاقة هاتفية مدفوعة مسبقاً، ذلك العجوز النابولي ظل في الرأس، كان يردد: ليته يراهم في سنوات قادمة بأعمارهم الجديدة، وليت العشاق يتذكرون أنه اختلس نظرة مواربة لهم في لحظات من الود والغبطة، تمنى أن لا تتغير ملامح الأميرة العاشقة، حينما تصبح أماً تذود عن أطفالها، والوله المدنف زوجها وقد غدا أشبه بموظف بعل، يركض وراء وقت قد يخسره، بعدما أصبح شبه عاص لامرأة اعتاد عليها، وعلى حرصها الزائد، والذي لا يعني له إلا مزيد من مسؤولية غير ضرورية، كان يقول: فقط تعالوا إلى «كابري»، وسوف تجدونني على رصيف مينائها.. أنتظر!
لعل أشد اللحظات تمر على المرشد حين يهم بوداع الفوج، وكم سيبقى منهم في رأسه، وما أكثر العابرين، منهم شخصيات لعذابات الليل، وشخصيات تلاك على موائد العائلة الباردة، وشخصيات تبث مشاغباتها وفرحها بالحياة، وتحرضك على اتباع لون الظل، آه.. لو يدري السواح كيف يغسل المرشد بدلته لتكون جاهزة صبحاً؟ وكيف يتعامل معها بحنو، وكأنه يغسل جلدته؟ وبكثير من الرأفة حين يمرر تلك القطعة الحديدية الساخنة، والتي مع الوقت تعطي لمعة غير ضرورية لذلك اللون، كيف يحلق بطريقة طقوسية؟ واضعاً عطراً محلياً بتوصية من حلاقه العجوز الذي يهرم وحده في حانوته، فقط يعمل كل ذلك ليقول للفوج الجديد بفرح، وبلغتهم: صباح الخير.. أنا مرشدكم السياحي اليوم!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد