تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

في فندق «الأوبراي» في بومبي، مرتع الفنانين والنصابين والحرامية «جار سو بيس»، رأيت بطريق الصدفة مرة صاحب الفندق يسحب إزاراً أبيض خفيفاً، ونعالاً جلدية رقيقة، يُخيّل إليك أنه راهب هندي أتى لتوه من المعبد، بل كان يكاد يشبه «غاندي» في نحافته، وصومه الدهري، وطريقة لبسه، وسماره «السنسكريتي» الواضح، ذلك الذي تطبعه الجغرافيا كوسم يصعب أن تبرأ منه، فتعجبت كزائر حديث النعمة النفطية منه ومن هيئته، ولولا الاحترام الزائد، والمبالغ فيه كعادة الهنود في الترحيب، لم يكن أحد ليتعرف عليه، بل جلهم كان ينظر مستغرباً أن هذا الهيكل الإنساني دخل هذا الفندق البهي خطأ، لكنه كان طبيعياً في مشيته، لا قرقعة تمشي قبله، ولا جلبة تتبعه أو تمشي وراءه، كشأن رجال الأعمال الهنود الجدد الذين كوّنوا ثروات في هونغ كونغ وسنغافورة، ودول الخليج، كان ذاك الإقطاعي الكبير يشبه ناسكاً لا يمل من الصلاة، ولا من الصبر، ويقوى على الجوع لدهر.
لقد كان يختصر ذلك الرجل التاجر الهند، فالمظاهر لا يمكن أن تعطي قيمة للرجل، ولا الملابس يمكن أن تقدم الرجال، فالذي يرى الهند ولا يعرفها، لا يمكن أن يقيمها أو يعطيها وزنها وثقلها، وتقدمها في الديمقراطية، وبناء المؤسسات الكبيرة التي تسيّرها، وأنها أصبحت من الدول المتقدمة على الصعد الحضارية كافة، والتي يحسب لها ألف حساب حاضراً ومستقبلاً، ورغم نهضتها، فلا زالت العادات والتقاليد والموروثات تلقي بثقلها على كاهل الهندي، لكن لا تمنعه من الإبداع والإنجاز والابتكار.
تذكرت فندقي «تاج محل» و«الأوبراي» في وقتهما الجميل، وكشيئين جميلين في حياة مدينة «بومبي»، حين طرأت الأحداث الإرهابية والإجرامية في ردهاتهما، وكمية الدم الإنساني المقدس الذي سال في جنباتهما، وكأن الشر لا يفرق بين الأشياء، المهم أن الجمال هو عدوه الدائم، بقيت حينها متسائلاً كم ضم هذان الفندقان من أفراح ملوكية، وليالٍ أسطورية، وغناء من أجل الحياة، وأناشيد الأمل والسعادة، وحلم بولادة قادمة أو بشارة في الطريق.
تذكرت الجلسات المسائية لشعرائنا المحليين، والغاوين، والذين يتبعونهم، والشغوفين حد النشوة بالهند، وبأشيائها الكثيرة، وكيف كانت تصلهم دلال مقندة ومزلولة للتو من يد الزين «اللي خاطّ الحناء بوصاه»، أو كيف يفزّون «ليما شوافوا الغر بو شيلة منقّده»، أو حين يتذكرون «الشرتا وذعذاع النسيم، وذلك البرقع الذي يتصالق على خد مورد، وأم وجه مسفر، وهي في غاية صباها، تبسمت وبانت عن ثنايا كأنها قماش منقاي».
كانت تلك مشاهد مألوفة في بهو الفندقين، سجلها الشعراء في قصائدهم وأغانيهم، كانت حياة خضراء رطبة، وزمناً «ليته يعودي»، اليوم حين أدخل بهو الفندقين تسبقني تلك المشاهد المضمخة برائحة العود ودهنه، ودهن الورد، وتلك المخمرية التي تحتل الزوايا حينما كان «الزين» يمر يسحب ذائل ثوبه، ويوقظ حمامة القلب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates