تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم :ناصر الظاهري

غطى الضباب الكثيف كل أوروبا، فتوقفت فجأة الحياة، وأصبح الناس في فوضى عارمة، وعلق المسافرون في صالات المطارات، وباتوا ليلتها تحت سقف واحد مجبورين، في البداية كثرت الاحتجاجات والاعتراضات، لكن سرعان ما تلاشت مع تصلب موظفي خطوط الطيران المرتبكين، وهروبهم من أمام وجه المسافرين العالقين، وشروع مرافق المطار في إغلاق خدماتها، كشأن أي مطار أوروبي خالٍ من الرفاهية! توسد الناس مخدة الانتظار، وقابل الشباب النضر شاشات حواسيبهم، واشتغلت المهاتفات المجانية، وتهادنت العائلات في نوم متقلب، وبعيد عن أي دفء أسري، وحدهم الأطفال الرضع كانوا يوقظون المسافرين العالقين بين لحظة وأخرى. لا ندري كيف مر ذلك الليل، ففي مثل تلك الأجواء لن ينتظر الناس منبهاً، ولا صياح ديك الفجر، فهم بين يقظة التعب، ونوم الراحة، نهضوا كل يصلي لربه، من أخرج صنماً صغيراً من حقيبته، من قابل جداراً، وظل يوميء برأسه، وجذع رقبته، ومنهم من فرش سجادته، وآخرون بقوا ينتظرون شمس أوروبا التي تظهر خجلى في شتاءاتها القاسية، كي يتلوا صلواتهم، التعب وقلة النوم يلقيان بظلالهما على الإنسان، ويجعلانه متوحشاً، وقابلاً للاستثارة.
في مثل هذه الظروف لا أعتمد إلا على ما في الجيب، ولا أحب المجادلة مع موظفي الطيران، وتبريراتهم الساذجة، فضلت أن أكون من طيور الليل، وعدت أدراجي إلى المدينة بلا تذكرة، ولا حقيبة سفر، نمت ليلتها من الإرهاق وملل الانتظار، بعدها بقيت بذلك «الجينز» ثلاثة أيام مدة الحجر الضبابي، مثل أي طالب في ثانوية إنجليزية متعثر النجاح، فقط أغير فانيلات «تي شيرت» والتي تباع الثلاث بسعر واحدة في محلات الـ«سوفنير»، وقبلها اشتريت «شارجر» لهاتفي، وتدركون أهمية «الشارجر» للمواطن، فالمواطن بلا «شارجر»، مواطن غير متوازن، ونحن لسنا مثل الأوروبيين، تجدنا نضع كل أشيائنا الضرورية في حقائب السفر، لا نحب أن نحمل شيئاً في أيدينا، أدركت ذلك حين تعطل الحاسوب، لأن «الشارجر» أيضاً في الحقائب.
وصلت باريس وكنت أعتقد أن حقائبي سبقتني لمدينتي، لكن تفاجأت بأن وجهتها كانت «جلاسكو»، رغم أن «جلاسكو» هي خارج حساباتي، وخارج ما كتب على بطاقة الحقائب، ثم أخبروني بسلامة وصولها، ولكم أن تتخيلوا كم تكون فرحة الواحد منا حينما يسمع أن حقائبه رجعت من «جلاسكو»، بقيت أنتظر بذاك «الجينز» الأملح نهاراً على أمل أن توصلني الحقائب، ثم اتصلوا ثانية، وقالوا لي أن حقائبي ستصل على عنواني في أبوظبي، فرضيت من الغنيمة بالإياب، الغريب حين وصلت مطار «شارل دوغول» الباريسي، خاوي الوفاض، بلا حقائب، ورآني سواقو الأجرة غير المرخصين، والذين يتلقطون رزقهم على غرباء المدينة والمسافرين كثيري التلفت والتصدد، عرض عليّ أحدهم أن يوصلني إلى الفندق بدراجة نارية، فضحكت على الخدمة الجديدة، وقلت في خاطري، هذا الذي يأتي بلا حقائب، عليه أن يتحمل المصائب!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates