بقلم - ناصر الظاهري
لو أن الناس يشعرون في صلواتهم ودعائهم كم هي متسعة تلك الرحمة التي يوزعها الخالق على عباده، وكم هي مسيّرة في طرقاتهم، لا تضل أبداً ! لو أنهم فقط يتركون قلوبهم وحدها تبصر في تلك الظلمة، لكانوا اهتدوا، ولا اعتدوا.
- لو أن الناس بين الحين والحين ينظرون للعلاء، ويسامرون نجوم الليل، ويتفكرون فيما خلق، ويتدبرون ما في هذا الكون اللامتناهي، ستصغر أمور كثيرة في عيونهم وقلوبهم، وسيضمحل كل الادعاء والافتراء، ولن تبقى إلا سجدة شكر لنعم عديدة، سابحة حولنا، ونحن نقابلها بلا حمد، وبطمع!
- لو أن الناس يدركون كم عظيمة هي الأمور التي يجدونها وتتوفر لهم، دونما أي عناء ولا شقاء، كم هي عظيمة بعض الأمور كالصحة مثلاً، والعقل مثلاً، والتسامح الساكن في النفس مثلاً، غير أن الإنسان خُلق ظلوماً جحوداً!
- لو أن الناس يشبعون من طمع النفس، ويكون كل يوم يولدون فيه من جديد يستوجب صلاة الشكر، ودمع الطُهر، لكانت الدنيا بخير، وكانت تتسع بنعمها للجميع.
- لو أن الناس يرضون باللقمة القليلة التي تسد الجوع، ويرضون بشربة الماء الهانئة، ولا يتعبون قلوبهم في الهم والظلم، ولا يظلمون أنفسهم بالبغي والحسد، ولا يقصرون من طول أعمارهم بالمنّ والأذى، لكانت الدنيا، وكانت فسحة الأمل، وكانت الحياة موصدة أبوابها عن شياطين الأنس والجن!
- لو أن الناس يتخلون عن أحكام شريعة الغاب، تلك التي تركها أجدادهم الغابرون في كهوفهم، وانطلقوا حينما رأوا البراري، وفرحوا حين شاهدوا البحر، وشعروا بالدفء حينما رأوا الجبال، وعرفوا كم كانت الحياة ضيقة في الكهوف، وكم هي قاسية حين يغرز كل واحد نابه في الآخر، رأوا الفضاء، وبرّقت الأحلام في عيونهم، فتدافعوا كل واحد يريد أن يطير بجناح أحلامه!
- لو أن الناس يسبقون للخير، ويتباطأون عن الشر، ويكتفي كل واحد بذلك النعت الجميل: «إنسان طيب»، أو هو طيب القلب، كم تساوي تلك الجملة القصيرة، إنها تختصر حيوات أناس، وسنوات طوال من مجاهدة النفس، وتصبيرها، وتقليم شراستها، والارتقاء بها نحو السمو والرفعة، ومنازل الدرجات العُلى حيث الملائكة والأنبياء، وتلك الطيور الخضراء في الجنة!
- لو أن الناس يسدون دروب الشر والضرر، ويزرعون الأمكنة بعشبهم الأخضر، ولا يتركون فُرجة لدخول الشيطان، ولا فُرجة للمتمسرحين أعوانه والمتجمهرين، حينها تصبح الدنيا ظلاً ظليلاً، وسيتوارى الظلم، ويغمر النور الظلام، وتكون القلوب خاشعة لأمر ربها، مُسفرة، مُبصرة، لا تخاف بخساً ولا رهقاً تحت سماء تظلهم، وأرض تقلهم.