بقلم - ناصر الظاهري
هناك أناس تمر عليهم السنون دون أن يتغيروا، لا تضيف صلابة الحياة إليهم شيئاً من الحكمة، ولا تزيدهم الأيام معرفة ولا قيمة، حتى أنك لو تركت أحدهم قبل عشرين سنة، وهو يستغيب هذا، ويذم تلك، ويشتم الجميع، ورجعت له بعد كل هذه السنوات، ستجده في تلك الحفرة نفسها، لا يقدر أن يخرج منها، يسب هذا، ويستغيب ذاك، ويذم تلك، مشكلته أنه لا يستطيع أن يواجه نفسه الفاشلة بامتياز، فلا يجد إلا أن يعزيها بالتقليل من الآخرين الناجحين، مثل هؤلاء حتى لو نجحوا مرة، فلا طعم لنجاحهم غير طعم الأشخر!
- هناك أناس وجوههم على شكل طبقات متراكمة من الغلظة والوقاحة، وكلما غالوا، وجاملوا، ومدحوا، وتنكروا، وتنصلوا زادت تلك الطبقات سماكة وفجاجة، هم ووجوههم الدبقة تلك، الوحيدون الذين يرهقون وجوه الشرفاء، ويجعلونهم يخجلون بدلاً عنهم، وجوه كلحاء مثل صَبّة الإسمنت تقاوم طويلاً، وتعيش طويلاً، لكن عيشهم في خنّ أو قنّ مثل بيوت الدجاج، مثل هؤلاء ذاك مكانهم، وتلك مكانتهم!
- هناك أناس لأنهم تلوثوا في هذه الحياة، وجرّتهم إلى قاع زخرفها، وسقط متاعها، حتى خرّوا من عيون الناس، غير مأسوف على أمجادهم الوهمية، وما عادوا كما كان آباؤهم يفعلون، أصبحت مهنتهم بعد السقوط أن يسقطوا معهم أناساً لا يعيرونهم اهتماماً، ولا يزنوهم بمكيال شعير، بالحط منهم، والنيل من منجزاتهم، وأكل لحومهم، كل ذلك لكي يزيدوا من رقعة الوسخ كما يعتقدون في هذه الدنيا، ويقللوا من الناس الأنقياء في الحياة، مثل هؤلاء لا يستطيعون أن يغيروا في الموازين، لأنهم بلا وزن!
- هناك أناس خالفهم لكي تَعْقِلّهم، وتجاهلهم لتُبَصرّهم، وتجاوزهم لكي تُعَقّلهم، فإن غدوا في غيّهم يعّمَهون، فلا تصفح، فالصفح حلم عندك، ضعفاً يعتقدون، ولا تصلح، فالإصلاح شيمتك، والهوان يحسبون، مثل هؤلاء لا مكان لهم في الإِعراب، ولا عند الأَعراب ينتسبون!
- هناك أناس كنا نعدّهم من الرجال، فإذا هم من هرط الرجال، والنساء من فعلهم تستقبح وتخجل، ودعواتهن لو كانوا صَبّ دم سائل، ولا خسارة المرضعات، كنا نعدّهم مدامك نستند عليهم في شدائد الأمور، فلانوا في هزالها، وغابوا في لقائها، وإذا هُم وسَاس الطين سواء، فلا تركن لهم بعدها، ولا تجعل ظهرك مكشوفاً لهم عقبها، فهؤلاء الناس ما أرخص سعرهم، وما أبخس ما يبيعون!