بقلم - ناصر الظاهري
السفر هذه المرة نحو أماكن لها روائح المسك وعطور الطيب وبخور اللبان، أماكن دافئة بالذكر والأدعية، وأمنيات الناس المعلقة، لا تخرج منها مثلما دخلتها، فيها ما يمدك بطاقة روحية، بشيء من فرح النفس الداخلي، بأمور تقوّيك وتعضّدك، وتشعرك بتلك الخَفّة التي تصحب الطير في بكوره الفجري، قد لا تعرف تفسيراً لها، هي بعض من أشياء الناس العارفين، وأولياء الله الصالحين، هي بركات نورانية، أضفت عليها حكايات الناس، وأمور الخير الذي يعتقدون، وحسنات وعلم وعمل الرجل الراقد منذ مئات السنين تحت تلك القبة الخضراء، تحيطها رسوم آيات من الذكر الحكيم، وتربة الأيادي المتمسكة بالرجاء والشفاعة، رحلة إلى قبور ومراقد وحوزات أهل المعرفة، والتصوف، ودراويش الطرق والطرقات في رحيلهم الأبدي نحو العُلا والمعالي، وإدراك القطب الأوحد، والتوحد، الفيء تحت شجرة المُنتهى، وبلوغ منتهى السرور.
لقد عشقت خلال تجوالي في مدن الله أن أقف فيما يشبه خشوع المُريد، وتأمل المتبتل، أمام المراقد وأضرحة ومقامات الأولياء، كانت وقفات في رحاب الصالحين.
- مقام السيد البدوي في طنطا، القطب الثالث عند الصوفية، الشيخ العربي الملثم الذي ترك مسقط رأسه فاس باتجاه مدن كثيرة لنيل المعرفة، وطرق التطهر، استغرقت رحلة الحج إلى الديار المقدسة سبع سنين، وحين بلغ الأربعين، عند اكتمال العقل، وسن التبليغ، أمر بمشورة رحمانية أن يستقر في طنطا ليبارك المدينة، ويحرسها ما دار الزمان، وتعاقب الإنسان.
- أضرحة السبعة رجال، حرّاس المدينة الحمراء مُراكش، أبو يعقوب يوسف الصنهاجي «مولى الغار»، القاضي عياض، صاحب كتاب «الشفاء»، أبو العباس السبتي «أبو المساكين»، محمد بن سلمان الجزولي الذي مات مسموماً وهو يصلي الفجر، ونقلت رفاته بعد 77 عاماً إلى مراكش، وكأن الرفات كما دخل أول يوم إلى الرمس، أبو فراس عبدالعزيز المراكشي، الملقب بالحرار لأنه كان يعتني بصناعة الحرير، ولقب بالتباع، لكثرة أتباعه، وهو تلميذ الجزولي، عبدالله الغزواني، «مولى القصور»، وعبد الرحمن السهيلي الأندلسي، المحدث والنحوي واللغوي والفقيه.
- ضريح السيدة رابعة العدوية «شهيدة العشق الإلهي»، بجبل الزيتون في حي الطور بالقدس الشرقية، في ساحة المسجد الذي يحمل اسمها، والشارع الذي يحمل اسمها، هذه البصرية التي تقلبت في الحياة الدنيا والمدن، عاصرت الدولة الأموية والعباسية، توفيت عن عمر يناهز الثمانين راضية مرضية.. وغداً نكمل
الكاتب