بقلم - ناصر الظاهري
الكثير ممن كانوا لا يودون «ترامب» ولا هيئته، ولا عجرفته، ولا لغته غير الدبلوماسية، ولا تعاليه على الآخرين، حيث لا صديق له إلا رجال الأعمال، ولا مود له إلا من يتحدث بلغة الأرقام، ويلعب «الغولف»، أصبحوا اليوم عليه مشفقين، وبحاله مرئفين، لأن الفراق بعد هذه السنوات الصهباء صعب، وترك البيت الأبيض الدافئ بالسلطة، المعطر بالقوة من أشد الحالات جزعاً وفزعاً، وغماً وحزناً. شخصياً أجد نفسي ميالاً لهذه المواساة للمهزوم، ولو كان فائزاً لكنت من القانطين، ومعضداً من بعيد لعزيز قوم سقط بالضربة القاضية، «دونالد ترامب» شخصية تتدفق منها الكوميديا، سواء كوميديا الكاريزما أو كوميديا الموقف، فهو الوحيد الذي كان يجعل الناس في كل العالم يبتسمون ويضحكون منذ ظهوره للعلن، وحين يتحدث، وحين يتصرف، وحين ينفعل، وحين يغضب ويضرب، هو الرئيس الأميركي الوحيد الفكاهي بعد «رونالد ريغان»، أما البقية السابقة، فكانوا يتسمون بالجهامة كزعماء حرب مؤجلة أو بغير الاستقامة، وبعض العبثية أو بالبساطة حد السذاجة التي تحرج المنصب، «ترامب» كان الوحيد الذي يملأ الكرسي، ويفيض عنه!
- من أسباب هزيمة «ترامب» غير «الكورونا» التي حاول قبل الانتخابات أن يتقرب منها، ويلصقها به، بعدما كان يزدريها، ويرميها على الساحل الصيني، كان الإعلام الذي لم يكن يكنّ وداً للعاملين فيه، ويعتقد بطبيعته كرجل أعمال أن رجال الإعلام أشبه برجال أعمال فاشلين، ويمكن شراؤهم وازدراؤهم، وكان لا يفرّق بينهم، تقف صحفية أميركية من أصول صينية، وبعد أن تلقي عليه سؤالاً وجده محرجاً، رد عليها أنه لا يفهم إنجليزيتها الصينية، وكاد يقول لها إنها من أسباب جلب الكورونا إلى أميركا، واستخفافه بصحف ومفكرين ذوي تأثير وتاريخ، ومحاربته بعض القنوات التلفزيونية الكبرى. والإعلاميون الأميركيون مثل البعير لا ينسون ثأرهم، لذا أسقطوه قبل أن يسقط، وتركوه وحيداً تحت المطر، رغم حملهم جميعهم لمظلات مطرية!
- ربما تمنى «ترامب» لو أنه الآن في إحدى تلك الدول التي تؤمن بالرئيس الأوحد أو بتلك الدول التي تكون نتائجها تقارب صفرين مع الرقم واحد أو من تلك الدول التي وإن هزمت شر هزيمة، خرج المتظاهرون متمسكين بالرئيس، مخففين عليه شر الهزيمة إلى نكبة ونكسة كلغة أكثر رطوبة، ولا تؤذي رئتي الزعيم!
- أعتقد أن شخصية «ترامب» ذات الطابع الذي يتسم بالضجيج، ويتصف بالغوغائية والآثار الجانبية، لن تترك الأمور دون انفعال وتوتر وقلق وأرق لكل الأجهزة الدستورية، والأجهزة الأمنية، ولعل الخطاب القصير الصارم والحازم الذي وجهه رئيس قيادة أركان القوات المشتركة، بأن الجيش مهمته حماية رئيس الولايات المتحدة المنتخب، وحماية الدستور الأميركي، وأنهم كجنود أقسموا على حماية الأمة لا يودون القيام بعمليات إخلاء البيت الأبيض قبل 20 يناير، «ترامب» صداع لأميركا وللعالم قبل وبعد!