بقلم - ناصر الظاهري
هم لا معاقون، ولا معطوبون، ولا مشلولون، ولا غيرها من تلك الكلمات التي قدر الإنسان في اللغات كلها أن يرتقي بها، ويختار أجملها وأقلها حملاً على النفس الإنسانية، لأن أصحابها جزء منا، ومن حياتنا، وفي حياتنا، والإعاقة لا تعني الحكم بنهاية أمور الحياة، وعدم المشاركة في صنعها، إنهم أصحاب الهمم العالية، والجباه المرفوعة، والنفوس القوية، هم من نسيج المجتمع، وهم أفضل من الأصحاء في مكابدة الحياة وأمورها، لأنهم يحاربون على جبهتين، جبهة هزيمة الإعاقة، وجبهة صنع شيء مختلف في الحياة.
وطوال المسيرة الإنسانية، وسير الحضارات، كانوا هنا.. وهناك دائماً، وكانوا متميزين، وكانوا غالباً ما يصنعون الفرق، فظهر منهم عباقرة في شتى العلوم والفنون، أثروا البشرية بعطائهم وبمنجزاتهم، وبروحهم المحبة للحياة، والاندماج فيها، والإعاقة ليست بالضرورة جسدية، فأحياناً نفسية، وعلينا التعامل معها بروح من التضحية والمثابرة والفخر بهم وبأمثالهم.
وأتذكر مهندساً إيطالياً علمني درساً لن أنساه قبل أربعة عشر عاماً، يومها كنا نبني مبنى لوسيلة إعلامية صحفية، فاشترط لكي يقوم بالعمل أن يضع مدخلاً خاصّاً لأصحاب الهمم، ودورات مياه خاصة، معدلة ومجهزة، وسلالم ودرجات تسهل عليهم التعامل معها بكراسيهم المتحركة، ومواقف لسياراتهم قريبة من المدخل، يومها لم تكن كل تلك التسهيلات والتشريعات موجودة، فأكبرت فيه عمله، ولكنني سألته من باب التأكد، وزيادة المعرفة، مذكراً إياه بأن هذه الأمور تعد هدراً في المساحة، خاصة وأنه مبنى تجاري، والمراجعون من أصحاب الهمم قليلون، فقال وشعرت باحمرار وجهه، وليكن واحداً في العام، يلزم أن تقدروا هذا، وتعملوا وفق مخططاتي، وإن رفضتم، فليكن مهندساً آخر غيري، فاحترمته أكثر.
لكم أن تتصوروا لو لم يكن في هذه الحياة الجميلة «بيتهوفن»، الموسيقار الأصم، «هيلين كيلر» معجزة الإنسانية، وهي التي لا تسمع ولا تبصر، «ستيفن هوكنغ»، العالم الفلكي الذي درس الكون، وهو على كرسي، وتصارع مع الموت خمسين عاماً، «روزفلت» الرئيس الأميركي الذي انتُخب أربع مرات متتالية، وهو مقعد على كرسي، الرسام الفرنسي العبقري «رينوار» كان يربط الريشة بأصبعه لكي يرسم، «أبو العلاء المعري»، شاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء، «بشار بن برد»، الشاعر العظيم، «طه حسين»، رائد التنوير، «فان جوخ»، الرسام المجنون بالحياة وألوانها، «أديسون»، العالم الذي كان يجد صعوبة في التعلم، «مارلا رونيان»، الرياضية الأولمبية العمياء، «سودها تشاندران» أشهر الراقصات الهنديات، ذات الرجل الاصطناعية، الرحالة «ماجلان»، الذي طاف العالم واكتشفه وهو على عكاز، و«اندريا بوتشيللي»، المغني الضرير، ذو الصوت الآسر، وغيرهم كثير.. فقط قالوا: لا للإعاقة، نعم للحياة!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد