بقلم : ناصر الظاهري
معقول يمر يوم الأب، ولا أحد يتذكرنا حتى بـ «حزمة رويد وإلا قمطة أرطأ»، بتخبركم.. الأب ولد «بشكاره»، ولا تهنئة، ولا حتى محبة على الرأس، من باب جبر الخاطر أو سلام من بعيد، تعتيم تام، وكأن المناسبة تخص عيد الشجرة، أو عيد العمال في «نيويورك»، وليس أب عتّال حمّال، لكن تعال شوف «يوم المرأة العالمي»، وبعد شوي «عيد الأم»، وعقبها «عيد المرأة العاملة»، تهاني وتبريكات وهدايا نسائية ذات قيمة، ليس باقات ورد فقط، واللي يكد ويحطب ويسخم ويتعب حتى باقة ورد بلاستيك في التلفون ما أحد رسل له، بعد احتجاجي العلني ذاك، لتفويت مناسبة يوم الأب، والتي لا يتذكرونها مطلقاً، قامت الزوجة المصون لترضيتي، وتجملت، وقالت: «شو تريد هديتك مني، ومن عيالك»؟ كانت تعتقد أني سأطلب شنطة جلدية من المغرم بها أو محفظة جيب كالعادة، وهذه كلها ما تساوي ثلاثة آلاف درهم، في حين الشنط الحريمي بقيمة سيارة على أيّام الـ «جي. تي»، فقلت لها: «ما أريد إلا سلامتك، وسلامة عيالك في ظل هذه المخاوف والاحترازات»، لكنها أصرّت، فقلت: «خلاص.. سوّي لي معقمة ومغرمة وطربوشه برسيم لكندورتي العربية، مثلما كانت نساء الوطر الجميل يعملن لأزواجهن»، فأسقط في يد «سهيلة» -والذي يسقط في يد سهيلة، ما يرجع- وبدأت تنتفخ، وأنا متماسك، وأشعرتها وكأني يتيم مفطوم، فقالت: «شو هالعزر.. هاي ولا طلبات الزار، والله لو أجلس حتى تحول مناسبة عيد الأب السنة المقبلة، ما خلصت لك كندورة وحدة»! فشعرت أنني انتقمت لمناسبة عيد الأب التي يعدها البعض مثل يوم البيئة العالمي.
لكن بعيداً عن المشاغبة الزوجية مع «سهيلة»، علينا أن نقرّ، ونبصم أن لولا المرأة في حياتنا، لكان طعمها مثل «الأشخر»، ولولاها لما تعلم أبناؤنا، ولما عرفنا مواهبهم، لولاها لكان البيت أشبه بـ«بركس» لمجندين جدد، لم ينسوا حياتهم المدنية، وما زالوا «سيفليّـن» بعد، لولاها لما كانت حديقة الدار خضراء ندية، وعشبها ريّان، لولاها لغابت الضحكة الحلوة، وغاب الحنان، لولاها لكان كل الرجال مشاريع سفر بعيد، الوطن وحده والمرأة، هما من ينشدان ذاك النداء الذي يمخر عباب البحر، ويوصل صداه قمم الجبال، ويجعلان المسافر يؤوب، لولاها لغدت الأيام بلون الحرائق والرماد، وحدها من تجعلها ملونة، زاهية، ألفة، ألقة، وحدها المرأة التي يمكن أن تدفن سرك في صدرها أماً وأختاً وزوجة، فتنام قرير العين كطفل لا يحب أن يكبر، لولاها تلك التي تشعل المكان، وتزاغي القلب، لكانت اللغة حطباً يابساً، وكانت الموسيقى لحناً جنائزياً، وكان لون البحر، ولون السماء لون سحائب من سراب لا يغني ولا يروي، ولا هي تمطر، لولاها، ولولا دبيب قدمها فجراً، ورنّة هاون قهوتها، وأغنية المهد لوليدها، رجّة سقاء لبنها، غزلها ونسجها، لكانت أغنية الحياة ناقصة.