تذكرة وحقيبة سفر

تذكرة.. وحقيبة سفر

تذكرة.. وحقيبة سفر

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر

ناصر الظاهري

هناك بلدان لا أستطيع أن أدخلهما، إلا أتذكر بحب زعيمين تاريخيين، مصر وجمال عبد الناصر، وتونس والحبيب بورقيبة، لا أتخيل أن أمشي في تلك المدينة الخضراء بأهلها، ولا يحضر بورقيبة الذي لم يعتقد أن ضابطاً كان يعده كابنه، وظل يرقيّ في رتبه ومناصبه من ملحق عسكري إلى سفير إلى مدير مخابرات إلى وزير أن يرتد عليه، ويجهز على شيخوخته التي كانت متماسكة بذهنيتها الحادة، ولفق له ليلاً التقارير الطبية بتعطل أعضائه وإصابته بالخرف، الأمر الذي قاومه بورقيبة، وظل بعد انقلاب نوفمبر، ثلاثة عشر عاماً يتذكر الغدر والخيانة، ويرددها بصراحته المعهودة لزوّاره القليلين في المنستير، كذلك لم يعتقد بن علي أن شارع الحبيب بورقيبة هو الذي سيظل يغلي بالشعب المطالب بإسقاط نظامه، وأن شعلة ثورة الياسمين ظلت متقدة فيه حتى الهروب.

بين الرجلين فروق: الأول بانٍ ومؤسس ومناضل وقانوني ورجل تاريخ، والثاني كل مواهبه أنه كان ضابطاً، ثم ضابطاً، وحين وصل رئيساً، حكم تونس بعقلية ضابط الأمن، لذا غيّب بورقيبة في أواخر حياته، وحاول طمس سيرته بعد مماته، حتى جنازته منع الشعب أن يخرج فيها، وكانت لا تليق بجنازة المجاهد الأكبر، وكأن كتابة التاريخ لا يريدونها أن تبدأ إلا بهم وبمنجزاتهم.

الزائر لتونس أيام حكم بورقيبة سيتوقف طويلاً في ذلك الشارع الجميل الذي يعد نسخة من شوارع باريس، وسيمسك به عند طرفيه تمثالان: الغربي تمثال ابن خلدون، والشرقي تمثال بورقيبة، واحد يمثل القلم والفكر وعلم الاجتماع والتاريخ، والثاني يمثل السيف والنضال وبناء الدولة الحديثة، وهو اعتراف جميل من المدن برجالها الحقيقيين، لكن انقلاب نوفمبر أنزل تمثال بورقيبة من عليائه، وحملته الشاحنات العسكرية ليلاً ليستقر في مسقط رأسه المنستير، كما استقر جسده النحيل هناك، واستبدل مكانه ساعة تشير للوقت الفاسد بخطابات الإصلاح الشفهية، والخطط العشرية الشخصية، ونتائج الانتخابات ذات الأرقام الفلكية.

غاب كل حس للرئيس المؤسس، وغابت خطبه وأقواله الجريئة والصريحة في السياسة والاجتماع والقانون الذي ارتحل من أجله إلى فرنسا في العشرينيات ليحظى بشهادته وبزوجة فرنسية كانت أرملة لضابط فرنسي قتل في الحرب العالمية الثانية، ورزق منها بابن وحيد حمل اسم الحبيب بورقيبة الابن، وفي فترة النضال سيقترن بالمناضلة التونسية وسيلة بن عمار التي سجنت كما سجن هو، والتي تحولت بعد الاستقلال إلى إقطاعية ومتصرفة، لكنه لم يرزق منها بأبناء، فعمل جمعية للأيتام والأطفال اللقطاء وتبناهم وأصبحوا يعرفون بأبناء بورقيبة.

بعد ثورة تونس يعاد للزعيم التاريخي بعض حقه التاريخي بعدما حاولوا أن يجعلوه في ذاكرة الجيل الجديد مجرد جثة رجل عجوز خرف أطاح به تقرير طبي مزور، وقّعه ضابط أمن غير وفي!

نقلا عن الاتحاد 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر تذكرة وحقيبة سفر



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 13:33 2017 الأحد ,24 أيلول / سبتمبر

مقتل صحافية أميركية وأمها السورية في تركيا

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 07:44 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يرغب في تخطي عقبة مضيفه باريس سان جيرمان الأربعاء

GMT 21:53 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

فائدة النعناع لعلاج احتقان الانف والتهابات

GMT 00:26 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

توقيف زوج الفنانة نانسي عجرم بعد قتله لصا مسلحا

GMT 06:46 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

غسل الشعر بواسطة البلسم فقط

GMT 15:28 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

الفساتين الصيفية" لإطلالة شاطئ مشرقة وأنيقة"

GMT 06:03 2014 الثلاثاء ,19 آب / أغسطس

افتتاح معرض كاريكاتير "نرسم لغزة" في رام الله

GMT 05:42 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحذية المدببة تتربع على عرش موضة الربيع لموسم 2016
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates