بقلم - ناصر الظاهري
على الرغم من أن العرب ليس لهم باع طويل في الاختراعات الحديثة، مثل ما كان سالف أجدادهم العرب والمسلمين، قبل ما يزيد على ستمئة سنة من يومنا أو حين كان يزنون مثقال الكتاب المعرب ذهباً في أوج ازدهار الحضارة الإسلامية، والسبب اشتغال الخلف بالتخريب بعدما كان السلف يعمل على التعريب، فكل الاختراعات العصرية ما أن تصلنا حتى تتحور عن غايتها والهدف من وجودها في حياتنا بفضل العقول العربية الجاهلة، والمشتغلة بسفاسف الأمور، وتوافه الأشياء، غير أننا لسنا بصدد عدّ المعرقلين والمروجين للجهل أو الأسباب العديدة التي أدت بنا للتأخر، منها السياسي والاجتماعي والديني، وأسباب تخص طبيعة الشخصية العربية.
تأملوا كل الاختراعات التي وردت علينا من الغرب، كيف جمّلنا وظيفتها بطريقتنا، وحصرنا وظيفتها في الضرر، وحدهما الثلاجة والمكيف ظلا بعيدين عن العبث، ورغم ذلك ثار حول مخترعيهما الكثير من الجدل، هَل فادا البشرية وخدما الإنسان، ولقيا جزاء ذلك العمل خيرات في الدنيا؟ أما في الآخرة فهما إلى النار، وبئس المصير، وإذا تساءلت ببراءة تلك الأسئلة العميقة: من أنتم لتقرروا مصير إنسان خلقه الله وسخره لخدمة الناس وتضعوه، بتلك النصوص المنسوخة وجامدة التفسير، في النار، وكأنكم أنتم الحكم، وليس ذاك الخالق العظيم الذي تجهلون عمق الصلة به، ومدى رأفته بالإنسان؟! لكن من باب واقعية السؤال أيضاً، كيف لمخترع ذلك المبرد والمكيف والذي حول لهيب الصحراء، والصيف الحارق الذي يشبه نار جهنم لكل الناس إلى شيء من ظلال الجنان وبرودة الفراديس أن يحرق في سقر؟!
الفضائيات، وتقريب المسافات، وإمكانية الاتصال والتواصل مع كل أطراف العالم، جعلوا منها محطات لبث النعرات الجاهلية، وسقم الطائفية، وتسخير إيديولوجيا الدين للشرور، وكم من الكذب الهائل على مجريات التاريخ، وذاك الجهل الذي يريدون أن يعمموا به الناس البسطاء الباحثين عن رزقهم اليومي بشكل شاق ومرهق! إضافة إلى الافتراءات على كل مخالف للرأي أو العقيدة أو الجنس أو الجنسية، بهدف إلغاء الآخر، وتدميره، ليسود خطاب واحد وموحد.
انظروا اليوم كيف يرى العرب اختراع الإنترنت والهواتف الذكية التي وجدت في الأساس لكي تصبح الإنسانية، وكأنها في قرية صغيرة، وتكسب ساعات إضافية على ساعات اليوم الـ «الأربع والعشرين»، وتغدو الأشياء في الحياة أبسط وأسهل وأسرع، غير أن العرب لم تعجبهم كل تلك الأشياء الحضارية، ونهجوا بالإنترنت والهواتف الذكية درباً آخر نحو الجهل وتصفية الحسابات، وترسيخ القيم السيئة في قاع المجتمع، وتشجيع لغة الشارع، ولغة الإقصاء!