ناصر الظاهري
بعض الأصدقاء وإن غابوا، يبقى صدى أصواتهم فيك، وتبقى كلماتهم تملأ الصدر، وتجعل الرأس متيقظاً باستمرار، والذاكرة قلما تنساهم لحظة، مثلما لا تنسى قرع بواباتها بأيديهم دون كلل، هم وحدهم من يستظلون بالقلب ولا يغادرونه، وإن غادروه، كنت أنت تسبقهم في الركض من الوقت وإلى الأمام.
بعض الناس يظلون يساومون على سنوات العمر، وعلى زمن الرجولة، فلا العمر يكفي، ولا الرجولة تسمح بالمساومة أصلاً.
مرة قال بدوي لا يعرف الاستراتيجية ولا عمل وزارة الخارجية، ولا يفهم معنى البرجوازية ولا وقع عبارة الرأسمالية، ولا يهتم بغير الشؤون الداخلية: للبيرق سلطان، وللحدود أوطان، من أراد الحكم فعليه بالحكمة، ومن أراد المال والصولجان، فعليه بالأعوان ومشاركة الأعيان.
عجوز كبيرة تتحرطم، توصي نسلها الذي تتمنى أن لا يخيب: من أراد البحر فليركب الصعب، ومن غشي البرّ، فلا يخاف الحرّ ولا القرّ، ومن رضي بقن الدجاج، فليحافظ على بيضه أن لا يكسر، لأنه سيكسر.
كنا في مدرسة القرآن، ندرس الدين والحساب وحروف الهجاء ونفرح بختم القرآن، كانت مدرستنا من نون النسوة، لكنها أخت رجال ومن صلب فرسان، قالت لنا قبل أن نتخرج من مدرستها: إما النجاح وإما الخسران، نجحنا فتذكرناها، وخسرنا فتذكرناها.
المدن خير من يصنّف الناس، فأحد لا يصل إلى خاصرتها، وأحد لا تقبل أن يركع عند قدمها، وأحد تقبّله على جبينه، وترفعه إلى مقام رأسها.
ترى شجرة، فتدفع الذهب ثمن أن تبيت في حديقة منزلك ولو ليلة، فلا الذهب قادر على أن ينقلها من مكانها، ولا هي ترضى بالذهب جسراً لانتقالها.
ثمة تاج من فرح ومن ظَفَر، لا تلبسه إلا اثنتان، تلك الأم الصابرة التي لا تتعب من الحب، وتلك الشجرة الكبيرة التي احتضنت ظل كل أطفالك.
الزمن والتجارب وحدها من يفرز حارس المدينة، ذاك الذي يسكنها عينه، خوفاً عليها من هدب عينه، من ذلك الذي يحتطب في ظلماء ليلها، يكسّر حطب رجليها.
ليس أعذب من كلمة الرجال تلك التي تساوي الشرف، ويمكن أن تعمم بها رأسك، وتذهب لوحدك.
- ليس أجمل من فعل الخير، تجد طعمه طيباً في الحلق، وثمة ثوب خليط من السعادة والفرح يطرح عليك هكذا فجأة، يغمرك بالحبور والنور، ويمكن أن يطير بك بجناحي ملك من الملائكة، هكذا هو شعور فعل الخير إن قمت به أو سمعت أن شخصاً قام به، أو سعيت بك قدم لتفعله أو ترشد إليه، مثل الدال على الخير كفاعله، والخير دائماً كبير بفعله، ولو كان إماطة الأذى عن الطريق.