تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

في أسفارنا بقدر ما نعشق بعض المدن، ونعشق أمكنتها، بقدر ما يكفهر وجه بعض المدن، نافثة شيئاً من تلك الطاقة الساحبة للعافية من داخلنا، فجأة تخيم علينا بظلالها الرمادية، فتسكت فينا شغب الطفولة والعفوية والبساطة وطعم السكر في الحلق، هي لا تفعل ذلك عناداً فينا، إنما هي طبيعتها أو ما جبلت عليه، فمدن ألمانيا مهما تجملت، وتغنجت، يبان عليها تلك الصرامة والجدية بذلك اللون الخشبي المحروق، ونوافذها المحكمة الإغلاق، وكأنها صنعت لأيام الحروب، وأبوابها تشعرك أنها لا ترحب بالغريب دائماً، والغالب على جدرانها ذلك اللون الإسمنتي المنزوع منه الرحمة والشفقة، الكريهة حد الضجر، ولو قيل ما هو اللون الذي يليق بالموت؟ فلن أتردد بوصف ذلك اللون المكتئب عنواناً له، وما تدل عليه غبرة لون الغراب، لو قيل ما هو أبشع لون في الدنيا؟ فالقول إنه لون الحرائق والرماد، لون يوحي بالعدوانية المطلقة، اللون الرمادي يمكن أن أنعته باللون الخائن، لون البشاعة المستفزة، لذا يغطى بلون آخر يستره، فإما يدهن بألوان لها رونق واعتبار أو يطبع عليه ورق مخملي، زاهية ألوانه بفرح أو يُلبّس بحجر، ذلك الشيء الكتوم، لا يترك ببروزه المجافي، ولونه الداعي لحرق الحياة، ووأد زهورها الندية، ورائحة أعشابها الخضراء.

كم استبشر بجدران بيوت البحر الأبيض المتوسط، وواجهاتها البيضاء، وشبابيكها الخشبية الزرقاء، ثمة أغنية في تلك البيوت الضاحكة للحياة، يجلبها الموج، وترددها السفن الساجية على الماء، ويتذكرها كل حين بحارة جلبوا على الفرح والحركة، والمغامرة باتجاه الحياة، لا يمكنك إلا أن تتوقف عند ظليل تلك الجدران، وتلك الأشجار الجهنمية التي ترّعى بياضه بألوانها الصارخة، والباب الخشبي الساكن بلون البحر، ومطرز عليه بقطع حديدية، تلك التي تبدأ بحرف البسملة أو بهجائية العين الحارسة، والخرز الذي يمنع الحسد، يا لجمال ودفء تلك الأبواب التي تستقبل الضيف بصريرها الخارج من الصدر، كم هي حارسة للأسرار وحكايات المساء، ومشيعات الأغاني للمسافرين باتجاه الزرقة والرزق، وغبب البحار، في مدن البحر الأبيض المتوسط، العاكفات كالعجائز، متدثرات بالخشوع، كقرى متناثرة على ضفافه، راكعات عند سفوح جباله، ثمة نشيد من الإغواء، ودعوات الاشتهاء، فتنساق لا تتبعك الخطيئة، ولا يسبقك غير الحب، هناك على ذلك الجدار الأبيض المشع، تقف دراجة هوائية مسلسلة، ومتكئة عليه بحذر، وهناك ظلها النائم على الأرض ككلب أمين، وهناك عجوز تسحب كرسيها القش الصغير، وتشعل سيجارتها، وفنجان قهوة يرتج في اليد اليمين، لتجلس وتستريح، وجارتها تطل عليها من الشباك المقابل، وثمة تواطؤ بنميمة مؤجلة ومشتعلة، وحديث عن ذلك الرجل المار أمامهما، وهما يلوحان له متذكرتان أوقات شبابه، وشعره الأسود الطويل وكثافة سالفيه، وكيف كان، يغزل الكلمات، ويداعب الوتر، ويرقّص قلوب الصبايا، فلا تحتمل قمصانهما ذاك الوجيب.. وغداً نكمل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates