تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

بقلم : ناصر الظاهري

في لعبة تبادل ظلينا في الشارع أنا وأروى، تهاطلت أسئلتها الجديدة، وأنا لا أملك إلا إجابات لأشياء قديمة، اكتشفت فيها محبة التوقف عند واجهات المحلات، والتعليق على ما فيها، أجبرتني على تناول مثلجات بالليمون الذي لا أحبه، وقادتنا خطانا إلى تلك الحديقة العامة الصغيرة، كانت وقتها رئة الحي، وحين تضيق زوايا المنزل بأصحابه، وحين يطل الملل، جالباً تلك الكآبة التي تتلقفك حين تفتح باب الدار، ما زالت بمقاعدها الخشبية التي أذكر، هنا قرأت كتاباً، وهناك جلست أتسامر مع الوحدة، وأوجاع العمر الصغير، كم من وجوه بقيت عالقة في الذهن، وإنْ غابت عن مقاعدها المعتادة، كبقايا محاربين في الحرب الهندو - صينية، أو متقاعدين من شمال أفريقيا، أو شخص ضجر من الحياة، ولا يدري ما يعمل، أو عجائز توقف بهن العمر، وظللن مخلصات لجلسة وليفهن الشاغر مكانه الآن، ما زال تبرجهن الذي على تؤدة، ينبئ عن أرامل متأخرات، لم يعد من دمع في العين ليذرفنه، انطلقت فتاتي تمرح في تلك البقعة الخضراء التي يحرسها ظل الغمام المسافر، متذكراً صفوف صبايا كن يمررن مستعجلات بملابسهن المدرسية، وبسماعات تصمّ الأذان لموسيقى أصبحت اليوم أسرع، وأكثر ضجيجاً، حتى غاب الشِعر، وحضر هذربان المخدرين، وحدها الأشجار العتيقة في الحديقة تجعل الحياة هنا مطمئنة، وتسلمك مفتاحاً هو بعض من سرها الداعي للبهجة والتمني.
لي وقت لأروي، ولأروى ما اشتهت، لا أريد أن أقلد عنقها بوصايا ذهب الزمن بمنفعتها، ولا أثقِل على أذنها بأقراط من الحكم التي ليتها تكتشفها وحدها، لتجد لذة للدهشة، ولذة لامتلاك المعرفة، ولذة أن يوازن الإنسان نفسه في الحياة، فربما عاشت زمنها المختلف، لكن لا بأس من أقوال هي كالرحى الثقال تنفعها من زلة القدم، وترزّها في الأرض إنْ أصبحت الأشياء الغالية والنبيلة رخوة تحت قدميها، واسترخص الإنسان إنسانيته، لذا هي خطواتنا هذه في المدينة التي اشتركنا في حبها، أب كبر بها، وابنة ستكبر معها، غير أن للمعرفة وأسئلتها ضريبة تستحقها بعض المدن.
في خطواتنا تلك، لم ننس رساماً ظل يلون الحياة بألوان قوس قزح، وحياته مختلطة بالليل والرماد، والكؤوس الفارغة، توقفنا في تلك الساحة التي تعج بهم، وكانت لأروى زهو الفرح، وفراشات من لون يحوم، كطائر محموم، كانت أزقة «سانت ميشيل» و«السوربون» العتيقة، و«الحي اللاتيني»، وكانت مساءات تسرب صوت «إديث بياف» ببحة التبغ، واحتكاك الأشرطة القديمة، كنت أتمنى أن ترى المطر ليلتها، لتشهد على لمعة الطرق الحجرية، ودفء الناس في المطر، وكيف تكون الدور، وشبابيكها ساكنة، كطيور لائذة، لابدة، ليتها سمعت نواح الـ «ساكسفون» الليلي، كآخر رفيق في الظلمة، ومشاغبات النفس، وتمنياتها الكثيرة، الخيّرة، وما يمكن أن يسرّ الإنسان، ليكتب نفسه ليلتها سعيداً.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 08:12 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"برشلونة يحسم صدارته للمجموعة الثانية في "دوري الأبطال

GMT 06:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

توم هانكس يؤكد أن عرض فيلم "غرايهاوند" 10 تموز

GMT 08:32 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مانشستر يونايتد يفقد شاو في مباراتين

GMT 13:17 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أروى جودة تُؤكِّد على عدم الاشتراك في مسلسل "قيد عائلي"

GMT 07:56 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سيف بن زايد يستقبل شيخ الأزهر الشريف

GMT 00:51 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"برشلونة" يرغب في ضم البرازيلي إيميرسون أباريسيدو

GMT 01:16 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

فهمي الخولي يُقرر تحويل رواية "الأرض" إلى عرض مسرحي

GMT 13:40 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة بالحجاب على طريقة الفاشونيستا صوفيا غودسون
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates