تذكرة وحقيبة سفر ـ 1

تذكرة.. وحقيبة سفر ـ 1

تذكرة.. وحقيبة سفر ـ 1

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر ـ 1

بقلم : ناصر الظاهري

بعض المدن التي تزورها تصبح رؤيتها كمشاهدة أشباح ضبابية، تمر هي وصورها المهادنة الغائبة، وكأنها تداعيات مساءات مخمورة، ولا تعلق بذاكرتك منها أي رائحة للناس أو ضجيج للمكان، ولا يلح شيء منها على رأسك، مشاغباً أو داعياً لغواية مشتهاة، مثل صباح مختلف أو مقهى يقبض على زوّاره العجلين عند ناصية الشارع، أو حديقة خضراء بالناس والذكريات، أو فلاح يحرث المدينة بطريقة القروية، أقلها مطعم عتيق يؤرخ لسيرة المكان، وأغاني العشاق، لحظات دموعهم، أين سكير الحي، يتبعه كلبه الوفي أكثر من زوجة؟ لا مشاغبات لأطفال واعدين بالسفر البعيد، لا امرأة مختلفة تمر من هنا، لا جدران لها رائحة التاريخ.
في مثل تلك المدن ترى أشياء العالم، لا أشياءها هي، فتغيب عن الرأس، وتغيب الدهشة، فلا تتوقع أن تتوقف عند شيء معجباً أو غاضباً، تسير في الطرقات فلا تتوقع إلا باصاً قادماً، أو سيارات مسرعة أو محلاً تجارياً من عدة طوابق يقبض خاصرة الشارع، أو مصرفاً صارماً، وفوقه شركة تأمين لا ترحم، لا يمكن أن يفاجئك تمثال لبحار غامر باتجاه البحر والرزق والزرقة أو شاعر كان صديقاً للشجر، ومنشداً للوهاد والهضاب، وما يمكن أن يمزق القلوب ساعة التخلي، تتجول ولا يمكن أن تتعثر فيها بأي حجر على الطريق، تاريخها متماهٍ مع دول الجوار أو منهوب الروح، فكل شعب احتلها ثم ذهب منها بعد ذلك حاملاً تاريخه الذي كان هناك معه، لا جغرافية غير شتاء غاضب ملتح بالبياض، ويمكث طويلاً كدهر على الصدر، لا ثمة بطولات يمكن أن تفرح المدينة طويلاً، وتطرّز مساءات الأطفال، وتجعل أحدهم فارساً لصبية تتعاطى مع الحلم بأول التماسات الأنثى التي تكبر، وحكايات منسية تلوكها العجائز مثل «لبان الملائكة» لأحفادهن قبل النوم، في مثل تلك المدن لا راسيات لحجر يعاند الدهر، ويظل شاهداً حين يتلاطم الموج فوق الموج، كفزّاعة موت للغادرين المتسللين تحت جنح الليل، لا كنائس لها عطر الغيب، وكلمات السماوات، وبرودة الحجر والخشب والسكينة المخبأة، لا شيء فيها يهمس في أذن المارين أن له صفة التمايز والمغايرة، لا شيء فيها يقول لك: «قف.. أنا مختلف»!
كثيرة تلك المدن التي تشعرك أن أشياءها لها صلابة البلاستيك التي بلا معنى، أو تلك الرخاوة المملة حد الضجر، ليس هناك تكوّن أو صلصال معالج وطين، أغلب الأشياء هلامية بحيث يمكن للمدينة أن تفلت من يديك، ولا تتأسف على شيء.
تجوب تلك المدن التي تشبه الـ«سوبر ماركت»، وتتمنى لو أن لها علامة فارقة، فقط حين تعطب الذاكرة، وتحتاج لشيء له شذا وريق امرأة من هناك، مساء معتق بالعنب والمطر والحكايا، أي شيء يحتفظ به الشيخ الفاني المتفاني، وهو يعد خطواته الصوفية نحو المدن والناس والحياة والوجد!.. وغداً نكمل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر ـ 1 تذكرة وحقيبة سفر ـ 1



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates