بقلم : ناصر الظاهري
كثير من الناس يتمتع بالسفر من خلال تجريب أكلات الشعوب، وفن مطابخهم، وما يمكن أن يفاجأ به الضيف من لذيذ الطعام أو غريبة، ولا أبرئ نفسي من هذه التهمة والتخمة اللذيذة، غير أن لي شيئاً أهم، وهو تجربة القهوة والشاي وطقوس تقديمها عند الشعوب، فهذه ثقافة لحالها، فالقهوة الإيطالية تناديك من بعيد، وتقول لك: «بونجورنو سونيور»، لا كما القهوة النرويجية أو الفنلندية التي تشبه الحلول أو الخلول أو مريس الهندال، ولا تقل عنها القهوة الفرنسية التي تتنوع وتتدلع، مرة بحبة بندق «نوازيت» ومرة «لاتيه»، ومرة «كافيه أو شيكولا»، لكن ميزة تقديمها، وطقس ما يقدم معها من كاسات وفناجين تميز كل مقهى في كل مدينة، فالأتراك من المعيب أن تقدم القهوة بدون كاس ماء، وفي العادة يشربونه قبل القهوة، وإن كانت القهوة التركية «توركيش كوفي» مشهورة في الخارج أكثر من تركيا، عدا اليونان وقبرص حيث تعد مسبة، ومنقصة في حقهم، نظراً للعداء التاريخي بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك.
لكن أطيب قهوة في تركيا هي القهوة السلطانية أو العثمانية، والتي تكاد تكون أقرب للقهوة السعودية، ولكن لا تماثلها بالتأكيد، فالقهوة الصفراء وأحياناً يقال لها البيضاء السعودية من أطيب القهوة التي يمكن أن تتناولها مع حبات تمر سعودي مثل الصقعي أو السكري أو نبوت السيف، غير أن مثل اللبنانيين لن تجد ضحكاً على الذقون حينما قالوا لي مرة جرب قهوتنا البيضاء، فتملكني العجب، كيف قهوة وبيضاء، فإذا هي ماء زهر في فنجان صغير، كان بإمكان اللبناني أن يعد لي حينها فوائدها السبع، وأصدقه، ويذكر محاسنها الثلاث التي تجلب الحظ والفأل، وأنها تقي من الحسد، وتحد من خمسة أمراض، ويمكن أن يضيف للرجال أنها تقوي الباه، غير أن عند اللبنانيين كشأنهم في أطايب الأكل، عندهم القهوة السادة التي تقدم في المآتم عادة، والقهوة البعلبكية التي تشبه القهوة السورية والأردنية البدوية الكحلاء، وعندهم «الوسط وعلى الريحة، وبِوش، ومغلية». كذلك الأمر عند المصريين والسوريين، وهي من عادات القهوة عند الأتراك انتقلت إليهم إبان العصر العثماني، غير أن في اعتقادي أن الأتراك أخذوها من العرب، فالقهوة العربية مرتبطة تاريخياً بالعرب منذ الأزل، وتعد من قِرى الضيف، ويمكن أن تحل قضايا القتل والنهب بينهم، وتسمى خمرة العرب، ويسمون هم الخمرة القهوة، وقهوة «المخا» اليمنية مشهورة، والتي أصبحت اليوم «موكا كافيه»، كذلك القهوة في اليمن لها طقوس تحضير مختلفة، منها ما هي مع الزنجبيل أو مع بعض الزهور، لكن أطيبها القهوة «القشر»، وقريباً من اليمن هناك أثيوبيا وكينيا حيث الطقوس البدائية التاريخية في تحضير القهوة، وتقديمها وما يصاحبها من سحر المجلس ومن فيه، وما يقال فيه.. وغداً نكمل..
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد