بقلم : ناصر الظاهري
- «مرات يشعر الإنسان بعد كل هذا العناء والتفاني، والمواظبة على التمارين، أنه مثل لاعب المنتخب الاحتياط، لازم ينكسر مدافع، ويصيب شد عضلي مهاجماً حتى يجد فرصته، فلا هو قادر أن يجاري المنتخب الآخر المتفوق، ليظهر براعته المندسة خلال تلك السنوات، والتمرينات الشاقة، ولا هو مع منتخب بلاده قادر على الانسجام لتخفيف وطأة الهزيمة القاسية، وفي نهاية المباراة سيجد المدرب يناظره بعين الحذر، وزملاءه في الفريق يكادون أن يضعوا كل اللوم عليه، وهو «المسكين» ركلتين إحداها على المرمى من بعيد بغية تجريب حظه، ورميتي تماس، كاد أن يضيع إحداها، هذا اللاعب الاحتياطي سيظل بعد الاعتزال أكثر اللاعبين تشجيعاً للمنتخب، ويفخر بأنه كان يوماً ضمن صفوفه، ومخلصاً في متابعة المنتخب الرديف».
- مرات.. يشعر الإنسان إذا ما دخل مدينة بعينها، خاصة تلك المدن التي تشبه ألمانيا القديمة، بعوارضها البنية الخشبية، ونوافذها الصامتة على البرد، ولا جيران يمرون عادة حينما يغيّب المساء شمسه، أنه يتيم، ولا شفقة يرتجيها في ذلك المكان الذي يعبق برائحة اللحم المقدد، وملابس ناسها الغليظة الجلدية، وثمة سماكة لليل فيها، فجأة يحنّ لمدينة مرضعة، لا ترتدي غير الصيف وثيابه، بيضاء في قلبها وفي كفّها، وأصوات الناس فيها عالية بالصخب، وكأنهم كلهم أهله، مثل تلك التي دفن تحت ظل نخلها زغب شعره الأول، مثل تلك التي يهرب منها إليها، ودائماً ما تملأ صدره بالحب، وأشياء أخرى من كبرياء الرجال، بعض المدن غالية كأم، وكأنها أرضعتك الدهر كله، لا حولين كاملين.
- «مرات.. يشعر الإنسان أنه مهما قدم للناس من أعمال، مطالب بالمزيد، وكأنه كان مسؤولاً عنهم، وعن نوائب الدهر التي أصابتهم، يشعرونه أنهم معلقون في رقبته، وأن دينهم لن يوفيه مهما عمل، وهو المسكين قال مرة: أفعل الخير، لكنه ندم، الآن هو لا يرجو الثواب، ولا يبتغي السعادة من فعل الخير، كل رجائه أن يتخلص من الذئبة التي تركت أولادها عند باب بيته، وتزورهم متى ما أرادت، مرات بعض من فعل الخير «نشبه»، لأن أولاد الذئبة لا يجعلونك تطرق أبواب السعادة التي تحبها نفسك، وتعرف طرقها، كفعل الخير مثلاً، ويمنعونك من متعة هي أحب إلى قلبك من الماء البارد الصراح، كرؤية بارق أمل، وضحكة كانت غائبة عن إنسان، وقدرت أن ترسمها على وجهه، وكنت سعيداً».
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد