بقلم : ناصر الظاهري
في أمسية جميلة عابقة بذكر طيبة ومكة، وسيد خير البرية، عليه أفضل الصلوات، وأتم التسليم، أحيتها في منزلنا العتيق «المجمع الثقافي» فرق من الإمارات ومصر والمغرب وسوريا وإندونيسيا، تسيدت فيها الكلمة الطاهرة، وزها المديح بخاتم الأنبياء وسيد المرسلين، أمسية لمن يدرك سبل المودة والوصل، ويغرف من أسرار العارفين بدروب الله، ويتناهى مع تناغم الروح في تجلياتها، حيث لا يسد مسرى السماء غير الغمام، وغير الحقيقة، لمن أراد إدراك الحقيقة، أمسية حين تخرج منها، تشعر أنك والنفس، غير ما دخلت، وغير ما كانت، وأنك بخفة طائر هائم يناغي الريح، وخفق الجناح.
- كنت أدرك ما كان يقوله أهلنا الأولون، حين يدعون عليك بـ«طهف شلّك»، والطهف الذي يعرفه أهلنا من قبلنا ذلك الذي يقشع عريشاً أو يقلع أوتاد خيمة العجوز، لأننا أصدقاء للجغرافيا، وفي مكان يجنبنا لسنوات طوال أي تقلبات مناخية أو غضب الطبيعة، فنحن لا في أقصى الشرق حيث الفيضانات والزلازل، ولا في أطراف القارة الأميركية حيث الأعاصير، نحن يكفينا «الحر والصهد والرطوبة والليز» طوال السنة، لذا إن طبّل أو جرى واد، تجد الناس يتبعونه فرحين، وإذا ما نزل مطر أسماه الناس الغيث، وإن هجم جراد، تلقاه الأهل، سعيدين بصيده وتجفيفه وأكله، لذا نعجب من «شوية ريح وشوية مطر» يقلب حياتنا، ويقلّع أشجارنا، ونحن كل رأسمالنا «شجرتين في العلالي»، وعند أول ريح، وليس طهف، تسقط الأشجار الكبيرة التي تحرس الشوارع، وتكون مصدر خطر على مرتادي الطرق والمسالك، وكأنها مزروعة في مزهريات، لا عروق ضاربة منذ سنين في الأرض، والله إلا خسارة ذلك السماد الباكستاني، وتحمل «وَهَفَه»، وخسارة «المياهة» عليها صيف شتاء، «وين الأشجار تموت واقفة، وَيَا شجر ما يهزّك ريح»؟ أشجارنا تحتّ علينا مع أول ريح يهزها، والمطر يغدر بعد قطرتين في كل مكان، مثل بحيرات عائمة، رغم متانة البنية التحتية، كما يقولون، «يعني بالله عليكم يسوى ونحن فرحانين بالمطر، ونريد أجواء رومانسية مفتقدينها من زمان، ونخرج ماشين بتلك النعال الجبلي في تلك الغدران، والكندورة إلى الصِيمّ، ويد على الغترة لكي لا تطير، وكأننا نقلد البطريق في مشيته المزهو بها»، أنا أقول، وأعوذ بالله من كلمة أنا، بس لأنها يحبها المطاوعة ويرددونها دائماً بمناسبة ومن غير مناسبة، أنّا قبل ما نصلي صلاة الاستسقاء، لازم نشاور البلديات والجهات المسؤولة عن البنية التحتية بالذات، هل نلح في الدعاء، وهل نرفع أيادينا حتى يبان بياض آباطنا طلباً للغيث والمطر والحياة؟ وإلا لا نجهر بالقول، ودعاؤنا يكون بالنية المبطنة!