بقلم _ ناصر الظاهري
هذا المنزل المؤقت، صندوق المصعد، الناس يتعاملون معه وفيه بطريقة عجيبة، فالإنجليزي، رغم تحفظه، إن صعد معك المصعد تبسم، ولو دون كلام، الأوروبية تضحك لك، ويمكن أن تعلق على شيء غير ذي قيمة، كرداءة الجو مثلاً، ولا تعتقد أن الشيطان بالضرورة ثالثكما، الأميركي سيكمل معك حديثاً بدأه وحده في الخارج، باعتبارك فاهماً الموضوع، الفرنسية سيبدو عليها بعض التأفف في البداية، وحين تعرف من عينيك أنها جميلة يتغير حالها تماماً.
شوف إخوانك العرب، يدخل الواحد منهم، وهو «يزاحر»، وينافخ دون أن تدري لأية أسباب، وأرجح أن السبب «منقوشة الزعتر» التي نقش اثنتين منها على الريق، ويهبط لا سلام ولا كلام، ويجحرك بعينيه، تقول أحد قتل خالته ذلك النهار، وأختنا العربية، بتلك الملابس الموحدة من جمعية البر والإحسان، تتمنى أن تدخل المصعد، ولا تجد فيه أحداً، وحين يفتح الباب وترى جمعاً، يبدو الاندهاش عليها، فالمفروض أن يكون المصعد خالياً، إلا لها، ثم تسلك نفسها، وتدخل، وتظل ملاصقة لجدار المصعد، وهي كاتمة أنفاسها، وأي واحد منا مشروع ريبة، لماذا هذا التجهم والاكفهرار من دون داع؟! هل لأن الأجنبي وضعه مريح، ويتعامل ببساطة مع أمور الحياة، ولا تقل لي الأجانب ما يسهرون، لا.. يسهرون، وينبسطون، لكنهم «ينشون» صباحاً لأعمالهم، بذهنية مختلفة، وصدر فرح، ونشاط لافت للنظر، نحن نتسقى المرارة على الريق، والأجساد منهكة، وتعب الدنيا حالّ علينا، تقول الواحد عائد من معركة تكبد فيها خسائر جسيمة لا تحصى.
يا أخي.. سلموا على الأقل، تخلون غيركم من الأجانب يأخذ الأجر، وأنتم تقول أحد «ملبج» فتيلة في لحاكم، وإلا شعر صدوركم، لا شكراً تعرفونها، ولا مرحباً تقولونها من الخاطر، ولا تضحكون إلا تزلفاً، بالرغم من أنه لا فروق بين العربي والأوروبي، يأخذان نفس المعاش، ونفس الامتيازات، صحيح ذاك خبير، والثاني أجير، بس الدنيا فرص، وباكر ستتحسن الأوضاع، بس العربي غير قنوع، وصرّيف، ولا يعرف إنجليزي زين، مسكين الأوروبي يكتفي بشقة، والعربي يصرّ على مؤسسته أن تستأجر له فيلا، هذا محترم في بلده، والعربي كذلك يقولون نفس الشيء، ما عليه قاصر في موطنه، لا وهذاك يدفع ضرائب، والعربي يتهرب من الضرائب، هذاك يؤمن بالديمقراطية قولاً وعملاً، والعربي يقولون كذلك، إنه من عشاق الديمقراطية، هذاك يهتم بمشاكله ويسعى لحلها بنفسه، والعربي يدور على المشاكل، ويتدخل في حل مشكلات الآخرين، وينسى مشاكله، هذاك يتلاطف مع الشرطي، والعربي يقولون إن الشرطي لا يستلطفه، ويركله ويصفعه، هذاك يمشي في الدنيا بالطول والعرض، ولا يخاف بخساً ولا رهقاً، والعربي يمشي بجانب الجدار، ويقول يا الله السلامة، يا رب أسعدهم وأبعدهم، بس هذا ليس بمدعاة أن يدخل العربي المصعد، ولا يقول: «هود يا أهل الباب المبوب»!