بقلم : ناصر الظاهري
ثمة رجل نبيل اسمه «بيل غيتس»، قال في عنفوان عمره، وعنفوان مجده: حتى هنا.. ويكفي! متخلياً عن حلمه القديم نحو حلم آخر جديد، ثمة أمور في الحياة جميلة، وهدفها سام، وتبقى تمجد الإنسان عبر التاريخ، وسير الحضارات، فالإنسان الحقيقي قناعات، هي التي تسيّره نحو أن يزرع شجرة صغيرة في الحديقة أو يحرق عشبها، والإنسان الحقيقي من يقدر أن يمتطي صهوة المجد، لا المجد يمتطيه!
مهما كان قرار «بيل غيتس»، فهو يذهب بمجده إلى العالي، ونحو التسامي، ويذهب حيث تقوده قناعاته، وهذه المرة نحو الفعل الإنساني النبيل، ليزيد من هيبته واحترامه، ويجعل مجده من نور!
لو كان «بيل غيتس» عربياً، فلن يترك هذه الإمبراطورية من دون إمبراطور متوج إلى الأبد، ولن يثق بأن يتحمل آخر هذه المسؤولية الكبيرة التي بناها بعرق جبينه وبسهر الليالي، وحين وصل إلى العلا، يأتي آخر ويتسلمها باردة مثلجة، ولو كان ابنه، وربما تشاجر الأبناء وتعاركوا، وكادوا يتقاتلون ليأخذ كل واحد نصيبه قبل وفاة الأب، وإن أراد أن يتبرع بجزء كبير من هذه الإمبراطورية إلى جهات إنسانية شتى في حياته المديدة، فسيحجرون عليه، وربما اتهموه بالخرف والجنون آخر عمره، وعدم أهليته، وأن عمله بالكمبيوترات طوال حياته ذهب بعقله.
لو كان «بيل غيتس» أفريقياً، لعمل من إمبراطورية الخير، إمبراطورية للشر، أو لقام عليه انقلاب في عز عطائه، يتهمه بعدم الوطنية والفساد وتبذير أموال الأمة الأفريقية، وسيحبس رهن الإقامة الجبرية، هذا إذا سلم رأسه، وستصادر أمواله، وتكون نهباً للـ«وطنيين الأحرار» الذين قاموا بالانقلاب العسكري لإنقاذ الشعب الحر الأبيّ!
لو كان بيل غيتس أميركياً لاتينياً، فسيسخرون له «كارتيلات» المخدرات والمهربين، ويغشون بضاعته السيّارة إلى كل الشعوب بسمومهم، وسياستهم الرعناء، وفيروساتهم الجديدة، وسيأخذون منه الإتاوة على كل شيء يصدّره، وسيجبرونه على جعل لغة الكمبيوتر إسبانية بحتة، لأنهم لا يتقنون غيرها، وفي آخر العمر وحين ينوي التقاعد وخدمة الإنسانية، فستثور ثائرتهم، ويتملكهم الغضب لضياع مصالحهم الشخصية، وتجفيف مواردهم النقدية، وسيجعلون بدلاً منه أشخاصاً من ظل، ليثبتوا للعالم أن «بيل غيتس» ما زال يعمل كإمبراطور، وأنه لم يتخل عن مكانته، في حين جثته متعفنة في غابات بوليفيا مثلاً أو لأنها ذابت في «الأسيد» من زمن لا يعرفه أحد!
بيل غيتس.. باختصار، إنسان محترم، ومهذب، ونبيل، غامر باتجاه خدمة الإنسان أينما كان، وامتطى خيل نقوده ليسعد الناس، كما أسعدهم يوماً باختراعاته، صباحك جميل أينما كانت وجهتك اليوم أيها الرجل النبيل..!