بقلم : ناصر الظاهري
لكل إنسان هروبه الجميل حين تضيق عليه بعض الأمور أو حين يريد أن يجلس ويصمت أو يبتعد عن بعض الشرور أو لهيب الغضب، تجنباً لطيش أو سوء منقلب، هذا الهروب مبكراً إلى الأمام فوائده جمة، ويقي الإنسان من ذاك المارد الساكن فيه، وتتعدد مسالكه، وتتنوع مدارجه، وتختلف نهجه.
- البعض يهرب إلى السينما، ويقبع في تلك الصالة الباردة المظلمة، ويعيش في عوالم متخيلة، يجد فيها بعض السلوة، وبعض الهروب الجميل، ولو لساعات تهدئ النفس، وتخفف الضغط، وتجعل الإنسان خفيفاً كطائر.
- البعض تأخذه حمى الشراء والتسوق، يجد يديه فجأة ترعاه، ويريد أن ينفس تلك الضيقة التي في الصدر بصرف المال في شيء لا يريده بالفعل، وقد يشتريه وينساه أو يعتقد أن أحداً من البيت اشتراه، وليس هو حين تبرد أطرافه، ويذهب عنه ذلك الغضب.
- البعض يركب سيارته، ويمشي الهوينا، وقد تسليه موسيقى أو أغنية قديمة تذكره بشيء جميل، ويبتعد كثيراً عن نشرة الأخبار أو مشكلات البث المباشر، يخرج على غير هدى، باتجاه لا هدف، المهم أن يتحرك من تلك المساحة التي جلبت له فجأة الضيق والغضب وحتى الملل والاكتئاب.
- البعض شرير يكسر ويحطم الذي يجده أمامه، يرفس كرسياً، يرمي كأساً، يقلب طاولة، ولا يخرج من تلك المعركة الافتراضية سليماً دون رضوض في صيم القدم أو جروح في اليد أو بقع زرقاء متفرقة في الجسد مثل الذي لاقى «يريور».
- البعض «يعفد» على أصابع يديه، ويبردها كأحسن ما يكون المبرد، وكأنها كانت هي السبب في ذلك التوتر والغيظ، يبدو بعدها وكأنه خرج لتوه من صالون تجميل لم يحسن استقباله، ولا اهتم بعنايته.
- البعض ينطوي على الذات، وينكسر، ويظل يتعارك مع أحلام اليقظة بما فيها من حب وانتقام وتظلم وقسوة على الآخرين، بما فيها النفس، وفي النهاية يريد أن يخرج من تلك المعركة وقد تيقن أنه مظلوم على الدوام، وأنه يستحق الأفضل في كل الأحوال.
- البعض يتفرس في الأصغر والأضعف، و«يَرّهَا على العنز المربوطة»، ويفك غيظه وغضبه على أحد لم يكن له ذنب مطلقاً.
- البعض يهجر البيت ويسافر إلى أي مكان حتى لو كان فندقاً في المكان نفسه.
- البعض يهرب إلى الأصدقاء الحقيقيين، لأن ليس مثلهم دواء في تلك الحالات المستعصية.
- البعض يختل كالضب أو القنفذ، مثل هذا الشخص «خوز عن وجهه» في تلك الساعة، تراه «يرّوَح» كل الناس مثل «الخِيلْ».
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع