بقلم : ناصر الظاهري
لم يخطر ببال منتجي ألبوم «العقرب» لمغني الراب الكندي «دريك»، أن يجتاح العالم بطريقة قاتلة، وأن تحظى أغنية «in my feelings» التي لم تكن تبشر بنجاح يذكر في الأسابيع الثلاثة الأولى التي تلت طرح الألبوم، حتى قام «شيجي» مقدم البرنامج الفكاهي «شيجي شو»، بتصوير نفسه وهو يرقص على أنغام تلك الأغنية، ووضعه على موقعه في «الانستغرام»، بعدها تكهربت مواقع التواصل الاجتماعي بفضل متابعيه في العديد من دول العالم، وهي المستعدة والجاهزة لأي تفاهة وسطحية وتفاعل مجاني، وغير مسؤول ولا ملتزم، فقامت بإشاعة تلك الرقصة، وإظهار «تحدي كيكي» العالمي، خاصة والدنيا خارجة من كأس العالم فيها المنتصر الذي يريد أن يعبر عن فرحه، وفيها الخاسر الذي يريد أن يخرج حزنه، ولا شيء غير الرقص يريح المنتصر والمهزوم، خاصة في ظل مساحة خضراء وخالية، هي إجازة الناس، ومرحهم في أسفارهم.
هكذا بدأ سم «العقرب» في الانتشار، وفرّغت كلمات الأغنية من محتواها العاطفي، لتظهر الرقصات المختلفة المصاحبة، منها الجاد ومنها الفكاهي، ومنها التقليد، ومنها المبتكر، والتي رعت رعي النار في الهشيم اليابس، ولأن منصات التواصل الاجتماعي مجانية، والوصول لها من السهولة بمكان، حاول الجميع أن يجرب حظه، وأحياناً حظه العاثر، فالشهرة بدون تعب الكل يقصدها، ويتمناها، وعلى أنغام كلمات: «كيكي.. هل تحبيني؟ هل تركبين معي في السيارة؟ قولي أنك لن تمرِ بجانبي، لأني أريدك، وأحتاجك، وأنا دوماً في الأسفل بانتظارك»، رأينا الممثل العالمي «ويل سميث» يرقصها على جسر السلسلة أو «زيتشني لانشيد» الشهير في «بودابست»، وظهر اللاعب المتحرك الصامت «مارسيللو» يرقصها متخلياً عن «السامبا» بعد خروج البرازيل المبكر، ظهرت شرطة نيويورك أو لوس أنجلوس ترقصها، ظهر فلاح مصري ينزل من على حمارته ويرقصها، وسوداني بسيط في أقاصي القرى الغائبة والنائية يرقصها، لاعبو الفرق وهم بالطائرة رقصوها، صغار كبار، نساء رجال، محافظون، فقراء، مشردون، متدينون، رعاع، سياسيون، كل العالم يرقصها، وينشرها، ثمة إبداع بلا شك في أداء البعض، وثمة مخاطر جمة سترت باللطف، وبعضها كانت لقطات قاتلة كتلك التي صورت فتاة وسط الشارع أخذتها سيارة قادمة معها لبعيد، ولا أدري إن كانت لقطة حقيقية أم مفبركة، فهذه المنصات الاجتماعية لا مسؤولية، ولا التزام، ولا صدقية.
وعلى الرغم من أن المغني «دريك» فنان عالمي موهوب سواء في التمثيل أو الغناء، فأبوه موسيقي وعازف، وأمه مدرسة لغة إنجليزية، وقد نال شهرة واسعة، لكن كل من يرقص تلك الأغنية، ولا أقول يستمتع بكلماتها وموسيقاها، لا يعرفون «دريك»، ولا يريدون أن يعرفوا آباء هذه الأغنية الحقيقيين، المهم هي الحالة، والانتشاء، وذلك التحدي لنيل الظهور والشهرة، ولو كلف أحياناً ثمنه الحياة، وبطريقة لاهية ومجانية، ولم تخطر على بال!
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع