تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

تبقى تلك المدن التي جربت يوماً الرعب محط شفقة، لأنه أكل منها، ومن ناسها، وجعل من أفراحها رماداً، برلين الشرقية رغم كل الذي عمل من أجلها، ولكيلا تشعر بغيرة من أختها برلين الغربية، بعد تحطيم الجدار المانع، إلا أن هناك رائحة للحرب باقية، وثمة كآبة تأتي مع المساء، وبؤس ما انفك يطارد الناس، ثَمّ أنين يتسرب من الجدران ساعات صمت الليل، كم هي بشعة الحرب، وبشع الحصار، وبشع السجن الذي توضع فيه المدن، وتجبر أن تحب بحماسة منقطعة النظير لتلك التماثيل التي صنعها الخوف، غير أنها سرعان ما تنسى وتهجر، وتتخلى عن ذلك الحب الخانع، والذي أجبرت عليه أو خافت منه أو أرادت أن تتحايل عليه، إبان وطأة الحزب الشامل، والنظام القائم الكامل، والرئيس الغانم الدائم.
في تلك المدن المتعددة في أوروبا الشرقية، وألمانيا الشرقية، وجمهوريات الاتحاد السوفييتي الإسلامية، وفيتنام وكوريا الشمالية، وبعض المدن العربية، كانت تماثيل الزعماء تملأ الساحات والميادين، وصورهم المجسمة مرسومة على جدران العمارات المتهالكة من الداخل، والضيقة مثل قبر لا يليق، لتستر بؤسها، في مدن الرعب لا تستطيع أن تلتفت لا يمنة ولا يسرة، إلا وستجد الزعيم يرمقك بنظرة من عينه المخادعة، فلا تعرف منها الحب أو الكراهية أو استجداء طلب التقديس، وعبادة «الصنم» الذي صنعه الخوف.
هذه المدن اليوم، ومن ساعة الانهيار السياسي المدوي، وهبوب رياح الحرية والتغيير والاقتصاد الحر نحوها، بدأت بتحطيم تلك التماثيل، لا تفرق بين زعيم تاريخي، وزعيم مر على الوطن دون منجزات أو إنجازات، فجأة خرج الحب المزيف من القلوب، وانزاح الخوف الراكم والمتراكم على النفوس، وتوحد ليصبح قوة من غضب أو كراهية بأثر رجعي، متحولاً لتلك التماثيل «الرمز»، لينتقم منها، ويمسح ظلالها من على الجدران، ويسوي بها الأرض.
ومن رأى بغداد «صدام»، ودمشق «الأسد»، ومدناً تحت جبروت الاتحاد السوفييتي، كان يصيبه الدوار، ويظل يتفكر كيف يمكن لهذه المدن أن تنسى كل هذا الحديد و«البرونز»، وما صُبّ على قواعد رخامية فيها، وما طُلي على جدرانها؟ من يقدر على خطوة العمل الأولى، وهز مهابتها، وجعل المعاول تبدأ من الرأس، لا من القاعدة؟ وبين ليلة وضحاها وجدت الأرض خاوية من عروشها، وتماثيلها المرعبة للمواطنين، دون تمييز بينها، وبين تماثيل لقادة تاريخيين، لا يحتاج للمحتج أن يثأر منهم، ومن تاريخهم مهما كانت الأخطاء والهزائم، لأنهم من تاريخ الوطن، وقد تتبعت تماثيل «لينين» كزعيم تاريخي، فوجدت تلك المدن على مر الأعوام المنصرمة تتخلص من كثرتها، ومن ثقلها بخجل، حتى كاد أن يهز الأمر ضريح جسده المحنط عند قدمي الكرملين وساحته الحمراء، منذ رفض البلاشفة دفنه عند قبر أمه في «سانت بطرسبورغ» عام 1924.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates