علي أبو الريش
سيدة أوروبية تعمل في الإمارات منذ زمن، وفي إجازتها السنوية قال لها الأصدقاء لماذا لا تغادرين إلى بلدك وتستمتعين بربوعها بين الأهل والأقارب؟.. رفعت السيدة حاجبيها دهشة قائلة: أغادر الإمارات.. كيف؟!
قالوا لها: لأنك ستزورين بلدك بعد غياب.
قالت بإصرار: لا أستطيع مغادرة الإمارات، فهنا أجد نفسي، وأحقق ذاتي.. ولو غادرت هذه الأرض سأشعر أنني تركت قلبي هنا، وأنا لا أستطيع الاستغناء عن قلبي الذي أحب أجمل بلد وأنبل شعب، وبعد تقاطر الأسئلة عليها أشاحت بوجوم هاربة من نظرات الذين أذهلهم هذا الشعور الفريد الذي امتلك جل لواعج هذه المرأة، وكل ما لهجت به.
ومن هذه الحكاية نستخلص أن الإمارات أصبحت اليوم وطناً وسكناً وفناً وفنناً لكل من يريد أن يفترش سجادة الأمن، ويطوي روحه في شرشف الطمأنينة، الإمارات التي أثمرت أزهار الحب، أمست ملاذاً للطيور التي سبحت في فضاءات الله، بحثاً عن موئل يؤوي قلوبها الهافية إلى مكان يعشوشب بالفرح، ويزدهر بالسعادة، ويزخر بما تهواه النفس، وتهفو إليه الروح، ويصبو نحوه الفؤاد.
قصة هذه السيدة ملحقة بقصص وحكايات لا تعد ولا تحصى لأناس أحبوا الإمارات، وصارت في نسيج أرواحهم كالهواء والماء فلا يستطيعون مغادرتها، لأنها في الحقيقة الحديقة العالمية الغناء التي تتلون بالوجوه، وتتزين بالعيون، وتكحل سواحلها برموش الذين جاؤوا كي يغردوا أشرعة الحلم، ويفتحوا نوافذ المتألق، ويخيطوا حكاية الحياة من سَمِ خياط الأناقة والرشاقة والأناقة، ويرسموا على الوجدان صورة مثلى لبلد أصبحت منحوتة بأنامل من ذهب، مرسومة بريشة أهدابها سلسبيل الماء، منسكباً من كد وجهد.
الإمارات الكائن الصحراوي الذي تجلى كوكباً خصباً يشق طريقه إلى الحياة بإزميل الرؤية الثاقبة، وحنكة المؤسسين، وفطنة من يقفون على مسيرة التقدم برهافة حس ولطافة نبس، يثابرون من أجل المعاني الرفيعة، ويسهرون لأجل إسعاد الناس أجمعين، لذلك فإن قصة تلك المرأة لا تدهشنا بقدر ما تجعلنا نفخر ونعتز ببلدنا.