علي أبو الريش
الحوار لغة الفكرة المرصعة بحرير الثقافة وسمة الأخلاق المضاءة بنجوم الحب، وصفة القيم المتسامية كأنها الغيمة الممطرة، الحوار نقش على كف السحابة الثرية بالعذوبة، الحوار قطرة المطر تروي ترب الحياة وتنعش أعشاب القلوب.
حوار الأديان هو سواء في معصم الذين أنيطت بهم مسؤولية التصدي للحقد والكراهية والعذابات المجلجلة، حوار الأديان وفاء الإنسان لخالق السماوات والأرض، وانتماء الإنسان لأمة الأرض من دون تمييز بين دين ودين أو طائفة وطائفة.. حوار الأديان يدحض افتراء المتزمتين، وهراء المهرطقين، وجفاء العازفين على وتر الانتماءات الحزبية.
حوار الأديان، الطريق إلى جنة السلام والوئام والانسجام ورفض الاحتدام.. حوار الأديان يفتح نافذة الحلم الإنساني إلى حياة أنفع وألمع وأشفع، حياة تردع الاضطراب والاحتراب والاستلاب والاكتباب، نفتح طريقاً للناس، كي يعيشوا في الوطن الواحد كعائلة واحدة، أفرادها يجمعهم كلام الله، ودعوة أبنائه إلى التعاون والتعاضد من أجل حضارة بشرية عارة بالإنتاج، زاخرة بالغنى الفكري والثراء الثقافي.
حوار الأديان هو حوار عقول آمنت بأن العقل مقياس الحقيقة ومعيار الوعي بمفاهيم الدين وتجلياته وعطاءاته.. حوار الأديان، الديدن والنسق الذي من خلاله ترسم طريقها إلى التقدم والتطور.. ومن يقرأ التاريخ يجد أن دمار الحضارات جاء على أيدي المتقوقعين، والرافضين للآخر والذاهبين إلى جحيم العدم على ظهر حصان الحقد والرفض.
من يقرأ التاريخ يوقن أن تلاشي الحضارات جاء بفعل النفي المستمر لعطاء الآخر، ودين الآخر ولون الآخر وعرق الآخر.. من يقرأ التاريخ يستوعب من دروسه أن الحوار هو السبيل لإعادة العقل إلى منطقة الأمان، وإحياء ما اندثر وإبقاء ما يحاول البعض إفناءه.
من يقرأ التاريخ لابد وأن يضع نصب عينيه مأساة سقراط ومأزق ابن رشد وأزمات حلت بمفكرين ومثقفين نتيجة تذمر الكارهين لأفكارهم، فما كان الحل إلا التنكيل بهؤلاء.. ولكن لا يمكن لأي حضارة أو دين أن يصمد ويتطور ويقوى إلا بقوة ثقته بما يقدمه للعالم من خير.. فقوة التأثير تنبع من قوة التمسك بأهمية الحوار مع الآخر والتعاطي مع المختلف كخط موازٍ يثري ويضيف ولا يجري مجرى العدو في ساحة الوغى.
حوار الأديان، يعطينا الضوء باتجاه الأفق نستدل عليه ونمضي نحوه، ونكلل وجودنا بالثبات والقوة وعدم الخوف من الظلام.. حوار الأديان ناقوس يدق في عالم النسيان، ويذكر ويخبر الناس بأن الحياة بُنيت على التنوع والاختلاف.. ولا حياة تستمر بلون واحد وساق واحدة ويدٍ واحدة.