غافة هنا كانت

غافة هنا كانت

غافة هنا كانت

 صوت الإمارات -

غافة هنا كانت

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

عند الصباح الباكر شعرت بأن حدثاً ما جللاً يصيب تلك الجارة العتيقة، فنهضت وفي قلبي لوعة، وفي الذاكرة مشاهد لتلك العصافير التي كانت تدق أجراسها الصباحية لتنهي تفاصيل ليلة السبات، على صفحات تلك الشاشة الفطرية لم تزل الأجنحة تهفهف عند ضفاف، الحلم الطفولي، وعند منطقة الحب القديم.
في ذلك الصباح أحسست بأن الغافة المحمولة بين أنياب الآلة الحديدية الضخمة، وكأنها تختم زمناً ظل يعانق وريقاتها ويختفي بشالها الأخضر، كأنه الحرير يطوق نحر فاتنة، من زمن البدء، زمن العيون النجلاء من غير رموش اصطناعية، ولا ألوان مدرسية تعبث بعفويتها، وقفت عند زاوية بدت كأنها خف بعير، وتأملت المشهد، فكان مهيباً، حيث الغافة تغادر إلى غير رجعة، وحيث أنا أقف وحيداً في وجه الصور القاتمة، وحشد من الرجال يحومون كأنهم في حفل جنائزي حول تلك الآلة التي حملة جثة لم تزل دماؤها الخضراء تقطر طراوة، وليناً، وبهاء، وبين الضجيج، وأنين سري تسرب بين أضلاعي، لمحت بعض وريقات تترقرق، كأنها أجنحة الفراشات، وهي تودع الحياة إلى حيث تكمن الفراغات، المدلهمة، وإلى حيث تسقط الأشياء سهواً من ذاكرة الكثيرين، ولا يبقى سوى الأثر، متضمناً حفرة واسعة الظلال، لم تزل تشم رائحة الجذور التي انتزعت تحت أزيز آلة شوهاء، غبراء، شعواء، شعثاء، كانت فقط تتأبط منشاراً، أشبه بأسنان سمكة عملاقة، هاجمت الغافة، بشراسة المفترسات، وجهامة الضواري، ولما وجدت المجزرة تخض خضيضها، حاولت أن أكتم سر حبي لهذه الجارة، وأن أتوارى خلف انكساري، وكلما تحطم غصن من غصونها تبعه ضلع من ضلوع الصدر، فتوجست، وانكفأت، واختفيت خلف غشاوة غطت عيني وصرت ألوب باحثاً عن اللاشيء، صرت أفتش عن شيء ما في الذاكرة، والتي احتشدت مكلومة، جراء ما يحدث للغافة، وأثر هذه المشاعر التي أصبحت كأنها الموجات الحانكة بعد أن ختمت تلك الآلة حكاية النهاية للغافة، بذلت جهدي كي أغيب ولو لدقائق عن ذلك المشهد المريب، وأن أغمض عيني، والغافة تتهدج كأنها القماشة القديمة، متشققة الجذر، والوجدان، وبعد يومين من الحدث الأليم، عدت لأستطلع الواقع، فإذا بالعامل الذي كان على مرمى قريب من الحدث، يقول لي، تستطيع أن تعيد غرسها لو أردت، ولما سألت وأين هي الآن، قال إنها في المكان القريب من منزلك، ولما استطلعت الأمر، وجدتها ملقاة كأي شيء تالف، يغطيها ركام التراب، والإسمنت، وعوادم الرصيف، حينها قلت ربما كان الرجل يسخر من تعاطفي مع تلك الشجرة، أو ربما كان يمزح، أو ربما أي شيء آخر، المهم أن جارتي الغافة ذهبت ولن تعود.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غافة هنا كانت غافة هنا كانت



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates