بقلم - علي ابو الريش
لا تصنع الحقيقة الكثير من الخير، لأن الوهم أكثر انتشاراً.
الحقيقة مثل حطب النار، تتحول إلى رماد، عندما يلتهب الوهم، ويصبح ألسنة في موقد الحياة.
الحقيقة تشبه ضوء الشمس، والوهم الطلال الداكنة، حين يصيب الشمس الكسوف.
الحقيقة إبرة في كومة من القش، والوهم كل نفايات التاريخ، التي تغطي الحقيقة.
الحقيقة مؤلمة، والوهم لذيذ مثل الشراب المخدر لأنه مخادع، ولئيم.
نحن نذهب إلى الحقيقة بقلوب واجفة، لأنها مثل المرآة الصقيلة تكشف ندوب وجوهنا، وتخرجنا من سباتنا، والوهم نسعى إليه بسعادة وافرة، لأنه يساعدنا على إخفاء عيوبنا.
الحقيقة تقول لنا أنتم كما أنتم، بينما الوهم يقول لنا، بإمكانكم أن تكونوا غير ذلك، فقط بقدر من تجاهل حقائقكم.
منذ البدء والإنسان يبحث عن الحقيقة، من خلال الوهم، وقليلون هم الذين يبحثون عن الحقيقة خارج الوهم. لو سئل إنسان من أنت؟ سيقول لك أنا أشبه فلان الساكن عند أفق المجد.
وهذا هو طريق الوهم، الذي يزرعه الناس بالورود، لأنه تربة خصبة، لتقبل الصور الخيالية البراقة، خارج نطاق الحقيقة.
في حياض الحقيقة تبدو الأشياء قاتمة، لأنها تكشف عن الغرف المظلمة في منازل النفس، أما في الوهم، فمن السهل أن يتقي الإنسان المشاهد المعتمة لأن الوهم صنيع البشر، هم الذين يلونون جدرانه، وهم الذين يرتبون باقاته الصناعية، وهم الذين يغسلون أطرافه المتسخة، وهم الذين يشذبون الزوائد في حواشيه، وهم الذين يقلمون أظافره.
الحقيقة ثابتة، وغير قابله للتشكيل، بينما الوهم يجثم على العقل، بمادة مطاطية، قابلة للطي، واللف، والاختباء في أصغر الأماكن من الوعي الإنساني، ولذلك، فإنه سريع الانتشار، وقوي التأثير، ومن الممكن أن يعيش الإنسان الوهم، ويشعر أنه أحد أباطرة العالم العظماء، ومن غير أن يبذل جهداً، أو يملك إمكانية ذلك البطل الذي يتوهمه.
الحقيقة لا تساعد على الخداع، ولذلك فهي مخيفة، وغير محببة، الحقيقة حادة مثل السيف، لكنها أن امتلكت زمام الإرادة البشرية، فهي وازع، ورادع، لا يسمح، لتسرب المسممات أن تدخل النفس، ولا تفتح الطريق، لأي كذبة أن تتوغل في الذهن.
الحقيقة والوهم لا ينسجمان، هما قطبان متنافران، لا يلتقيان مهما امتدا في عمر البشرية، الحقيقة تعيش تحت الضوء، وفي نهار مشمس، بينما الوهم، كائن ظلامي، مداهن، ومدع وكذاب، مشاء بنميم، ومعتد أثيم، قد يغرق الإنسان بصور خيالية لا عد لها، لكنه في النهاية، يهرب من صاحبه، متى ما رآه في أعماق البحر.