بقلم _علي أبو الريش
نبذل أقصى ما نملك كي يقبلنا الآخر، وكي يصفق لنا، ونستميت لكي نكون ذوي حظوة لدى الآخر، ونستمر في البذل، ومعه نستمر في التلاشي، وإذابة الذات في ماء الآخر، حتى نصبح في الوجود أصغر من حبة الرمل في كثبان الآخر، وعندما نصحو ونبحث عن ذواتنا فلا نجد أنفسنا سوى بعض شائه لا يساوي قطرة ماء حلو في بحر عميق.
هذه هي «الشخصانية» التي نسعى إليها، وهذه هي الذات التي نذيبها في بحر، لأجل أن نظفر بالرضا، ولأجل أن يقول لنا الآخر، إننا شخصيات لها مكانة في المحيط الكبير، وننسى أن الكيان الفردي لا ينمو في الصفقات المعقودة بين كائن ضعيف لا يملك غير اللهاث، وكائن أكبر ينمو على حساب من لا حساب له غير الطرح والقسمة على الصفر.
الأشخاص الذين ينبشون في تراب الشخصانية، لا يجنون غير العدم، لأنهم يفعلون كمن يركض خلف سرب من الحمام، فلا يجد غير السراب، ولا يعثر إلا على ظلال الأجنحة المحلقة في الفضاء البعيد.
الشخصانيون هم أناس ناكصون إلى مراحل طفولية مبكرة، هم اتكاليون، واستعراضيون، وعدميون، يقبلون على الحياة بإرادة مقيّدة بأغلال الاعتماد على الآخر، هم لا يجدون أنفسهم إلا من خلال الآخر، الذي يمنحهم «الأنا» المزيفة، هم يعانون خواء داخلياً مزرياً، ويواجهون الحياة بقلوب راجفة، وعقول واجفة، هم يحملون في داخلهم صرخة الميلاد التي لم يكتمل نضجها، وقد اكتفوا بالنظر إلى الوجود، وكأنه ملتقى لأرانب مذعورة، تفر من هول، وهم يفعلون كل ما بوسعهم، لأن يكونوا دائماً في قلب الحدث، ولكن بصحبة الآخر الذي يجلل حياتهم ببريق الشكل، فهم خاوون وبلا مضمون، لأنهم لم يزالوا في عهدة ذات غير مكتملة الملامح ولا الشكل، هم هكذا وجدوا على الأرض في حالة لعثمة وانتكاس، والسير إلى الأهداف بأطراف لا تقوى على مواجهة الريح، إلا بالاتكاء على أكتاف الآخر، والاستناد على عصي خيالات رمادية، أشبه بغبار ما بعد ملاحم قتالية فاشلة.
المكتنزون بأهواء الشخصانية، هم بقايا أحلام ما بعد نوم متوتر، هم نوايا ناقصة لأطفال لم يسعفهم الحظ في نيل قسط وافر من النوم، في ليلة هوجاء.
هم شكل من أشكال الإنسان البدائي، ولكن من دون براءة الطبيعة، هم فسيفساء من محارات خاوية على ساحل تتمدد على رمله البقايا والنفايات، والأشياء التالفة.