بقلم - علي ابو الريش
عندما نشعر بالعجز في حل مشكلاتنا الخارجية، عندما لا نستطيع مواجهة الآخر بصورة طبيعية، عندما نصطدم بالجدران العالية، عندما تسطع الشمس في عيوننا، عندما تتسخ ملابسنا، عندما تنكسر زجاجات الواقع وتتناثر في وجوهنا، عندما يحدث كل ذلك، نهرب إلى خزانات الملابس، ونستل الأقنعة، نضعها على وجوهنا، ونذهب إلى الآخر متنكرين، وزائفين ومشوهين نذهب ونحن ليسوا نحن، بل نحن عجلات مقلدة، لعربة قديمة، نذهب ونحن مثل بذرة جيء بها من تربة، إلى تربة أخرى لا تلائمها، نذهب إلى الآخر، بوجوه لدمى بلاستيكية، لا حياة فيها، نقلبها بأيدينا، كي تفتح عيونها، وتغمضها، أو تصدر أصواتاً، تشبه أصوات البشر، ولكنها ليست هي الأصوات.
الأقنعة تجعلنا نسقط في الحفر السوداء، الأقنعة تحرمنا من رؤية العالم كما هو، ولكنه يرانا رغم الحاجب الأسود، ويعرف أننا ليسوا كما نحن، العالم يسخر منا ومن أقنعتنا التي تبدو مثل جلباب رجل ضخم، يرتديه طفل صغير.
عندما نكون في الأقنعة، ترتدينا الأقنعة ولا نرتديها، تسوقنا كالعميان، إلى طرق مدلهمة، تأخذنا إلى مناطق معتمة، وتجعلنا نتعثر، ولا ننهض، تجعلنا نتبعثر، ونتكسر، ولا تجبر لنا كسور.
نحن في الأقنعة كذبة كبرى، أنتجها كاذب، لا يجيد حتى الكذب، وكل من يعيش خلف الأقنعة هو إنسان قدراته أقل بكثير من طموحاته، فامتهن الكذب، ووضع عليه القناع، ليصبح القناع هو، وهو لا شيء.
المقنعون، مثل العطاشى الذين يلعقون ريقهم، كي يحتفظوا بالبلل. المقنعون، يملكون أسلحة كثيرة، لكنها واهية، المقنعون، قد يختفون خلف عقيدة ما، أو فكر ما، أو مظهر من مظاهر الحياة.
المقنعون يجدون في المظاهر الاجتماعية، ملاذهم الوهمي، يجدون في التمظهر، سلاحاً فتاكاً يحاربون فيه ضعفهم، ويواجهون من خلاله نظرة الآخر إليهم.
فقد يضطر موظف بسيط لا يملك إلا قوت يومه، إلى الاقتراض من البنك، لشراء سيارة فخمة، فقط لكي يقال عنه إنه شخصية محترمة، وقد يجبر طالب متوسط الذكاء، على اختيار تخصص علمي مثل الطب، أو الهندسة، فقط لكي يثبت للناس أنه ليس أقل ذكاء من زميله الذي يجلس إلى جواره في مقعد الدراسة.
قد تختار امرأة رجلاً لا تحبه، ولكنه غني، لأن صديقتها تزوجت من رجل ذي جاه ومال. وهكذا يستمر مسلسل الأقنعة إلى ما لا نهاية، لأنه محاولة لسد فجوة عقد النقص الواسعة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد