سوء استعمال الحرية

سوء استعمال الحرية

سوء استعمال الحرية

 صوت الإمارات -

سوء استعمال الحرية

علي ابو الريش

في ليلة ليلاء، توقفت عند إحدى المحطات التلفزيونية التي تبث برنامجاً دينياً أسبوعياً، واستمعت إلى حوار بين رجلين، أحدهما يسأل ليفهم، والآخر يجيب ليوضح ما التبس على صاحب السؤال. المفزع في الأمر، والذي يبعث الألم في النفس، أن الشخص صاحب السؤال في بداية الأمر كان مهذباً وهادئاً، ويردد كلمات نعم يا شيخ، جزاك الله يا شيخ وفجأة، فإذا به يتحول إلى كائن آخر، يسب، ويشتم، ويكيل النعوت البذيئة على محدثه ويتهمه بألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان.

في الحقيقة استوقفني هذا الحوار غير المتكافئ، حيث السائل يقتحم الشاشة عبر صوت الهاتف ويواري كل أخلاقه المصطنعة التي أظهرها في بداية الأمر، ليتحول إلى كتلة من الجحيم تلقى في وجه رجل الدين وتحول الحوار، إلى مرافعة، ومحاولة يائسة من الرجل الجالس خلف الشاشة، لتهدئة روع السائل، والتخفيف من شططه، ولغطه، وغلطه، ولكن لا جدوى، بل إن السائل صار، يرعد ويزبد ويصب جام غضبه في وجه محدثه، وكأن ما بينهما ثأر قديم.

عندما نفكر في مثل هذه الحالات، يبرز أمامنا سؤال، وهو: هل كان الرجل جاء ليسأل، وليفهم؟ أم ماذا؟ أتصور ومن خلال متابعتي لكلامه الناري، والمحتقن، والمتشظي والذي جاء بأسوأ الألفاظ المعجمية، وكأن الرجل الذي جاء يسأل، لم يتعلم لا في البيت، ولا في المدرسة شيئاً اسمه أدب الحوار. ولم يتشرب من تعاليم الدين الذي جاء ليستزيد منه عند من هم أعلم منه، وأفقه.

حقيقة هذه النماذج السيئة، هي التي يخرج من براثنها الإرهاب، وهي الحاضن الأساسي للفكر العدواني. فعندما لا يتحمل الشخص رأياً يخالف قناعاته، ويعتبر من يخالفه عدواً له وخصماً لدوداً فإنه لا بد أن يتطور الحوار من فكري إلى مادي، ومادة الإرهاب هي إفناء الآخر والتخلص من وجوده، لأن وجوده يسبب ضرراً للشخص العدواني.

وأعتقد أن قول سارتر إننا محكومون بالحرية انقلب لدى البعض إلى أننا محكومون بالإساءة إلى الحرية، وهذا أمر طبيعي، ففي غياب الوعي تصبح الحرية هي التخفي خلف الحجب للتعبير عن أمراض عصابية فتاكة وتراكمات لمفاهيم مغلوطة، وعقد نقص، ومركبات دونية أودت بكل الأخلاق، وأطاحت القيم، وقطعت دابر المعرفة الحقة ليصبح أي حوار هو نطح، وقدح، وكبح، وجنوح نحو الأنانية، وجموح باتجاه السلوك المسعور، واتخاذ أي حوار حجة للتنفيس عن معضلات النفس المأزومة، وتحريض اللسان على التقاط، كل نفايات التاريخ، وقذفها في وجه من يخالف ويعارض رأيك.

هذه سمة من سمات الأشخاص الذين ربما قرؤوا ولكنهم لم يقرؤوا، لأن قراءتهم كانت لمجرد الانغماس في القراءة، وليس في الوعي، وأمثال هؤلاء يشكلون عبئاً على المجتمع، لأنهم أطفال كبار كبروا في السن، ولكن عقولهم لم تزل تحمل سنوات الطفولة المبكرة التي لم تستوعب بعد ما هو الحوار، وبالتالي فإن الأداة الأنجح لديهم هي سكين اللسان، أو سكين اليد. هؤلاء هم أكثر الناس إلحاحاً، في طلب الحرية، لأنهم في أجواء الحرية يملكون زمام الاندفاع باتجاه الآخر بكل ما يملكون من حنق وحقد وكراهية، وكل هذا تحت ذريعة حرية الرأي، ولكن الحرية تتوقف جداولها عن التدفق، عندما يكونون هم في موقع اتخاذ القرار وشهدنا هذا في أكثر من حدث، وموقف. خلاصة القول الحرية في نظر البعض هي معطف رخيص الثمن يتم استبداله، في أي وقت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوء استعمال الحرية سوء استعمال الحرية



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 06:02 2019 السبت ,16 شباط / فبراير

أميركية ينمو في رأسها قرن عاشت به لمدة عام

GMT 12:07 2018 الجمعة ,19 تشرين الأول / أكتوبر

"Pixel 3" قفزة في تطوير صناعة الهواتف

GMT 08:39 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد عن الرواية المصورة التي ظهرت في السبعينات

GMT 18:00 2013 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

توقيع رواية "باب الليل" للروائي وحيد الطويلة

GMT 18:30 2013 الأحد ,23 حزيران / يونيو

اصدار رواية"امرأة غير قابلة للكسر" لمحمد رفعت

GMT 21:39 2014 السبت ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إتهام جامعة هارفرد العريقة في التمييز العنصري بها

GMT 10:04 2013 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

افتتاح معرض الصُّور النَّادرة "الأقصر في 100 عام"

GMT 17:56 2015 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة مروة جمال تطلق أغنيتها الجديدة "مفيش مستحيل"

GMT 07:53 2013 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

معرض للرسام الاميركي أندي وورهول في بلجيكا عن الموت والحياة

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

بلدية دبي تؤكد حرصها على دعم ذوي متلازمة داون

GMT 11:43 2013 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

جحيم السجون السورية في "عربة الذل"

GMT 13:22 2013 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تعلن تطهير الإنترنت من "الشائعات والعربدة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates