نحب المدهشات

نحب المدهشات

نحب المدهشات

 صوت الإمارات -

نحب المدهشات

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

نتسرب في الحياة مثل الجداول في الطين، نمضي في شوارع الخليقة مثل الطّير تحت السحابة، نثب بين الشعاب، كأننا غزلان برية، ونسير نحو المدهشات نبحث عن ذاتنا فيها، ونرفع الأسئلة، وكأننا نحمل على أكتافنا مناجل الحرث، وفي سبل الحياة تبدو لنا الأشياء لآلئ تغوص في أعماق أحلامنا، تلهمنا كيف نرشف من عذب، ونسكب من رحب، وهكذا لا شيء يبدو أمامنا عفوياً، إلا عندما نشعر أننا نحن الذين نحلب من ضرعه، ونجلب من زرعه، ونظل في الأسئلة، ولا شيء يمنع أسئلتنا لأننا جئنا من السؤال العظيم، وهو من نحن؟ منذ أن تجسدت الأرض بساطاً، واعتلت السماء سقفاً، ونحن في خضم الأسئلة فراشات تتسلل إلى تلافيف الزهرة، وتسرد لعطرها كيف كانت الحياة من دون رائحة، وكيف كان الإنسان من مدهشات أشبه بقشرة على ظهر الفراغ المترامي بين السماء والأرض.
يا الله، كم هي الفراشات جميلة عندما تشيح مبتعدة عن الغبار، وكم هي الوردة رائعة عندما تطفئ ضوء الشمس، وتتألق في النهار مصباحاً منيراً. يا الله، كم هي الأشجار مدهشة عندما تضع الثمرات على أغصانها كأنها البلّورات، مرصعة على جبين الوجد. يا الله، كم هي الأنهار ملهمة عندما تترك للطير برهة التحليق في تلابيب أعمارها، وتدع للزعانف مساحة واسعة في رقة الماء الرقراق.
هذه بعض من أسئلة قد لا تفي بحاجة العقل، ولكنها تظل الجملة الأولى في كتاب الوعي، وتظل الكلمة التي تضيء كتاب الأرواح الشغوفة، وتظل الأرواح دائماً في لهفة التساقي من رضاب الأنهار السخيّة، هذه بعض أسئلتك أيها الإنسان، وهذه بعض رضّاتك، وخضّاتك، ومضاتك، وحضّاتك، وهذه هي بؤرة النهار عندما تبرز الشمس في وجه الكائنات، وتمسح عن وجوهها غشاوة الوجوم، وتزيح عن كاهلها وصمة التجاعيد، وترفع عن صدرها ثقل الدخان الكثيف، وتمنع عنها ضبابية الرؤية، وهذه هي المعضلة التي جلّلت العقل منذ أن تفتحت العيون على مشهد الحياة المذهل، وأصبحت الدهشة بحجم المحيط، وصارت الأسئلة تجول في منافي الوعي، كأنها الضآلات في تجاويف المكان، والزمان.
هذه هي قدرتنا على فهم ما يدهش، ولذلك نبقى نحن نبحث عن براءة عقولنا من الزلل، ونسأل عن وسيلة، يسلو بها العقل، قبل أن تأخذه تيارات العصف، والقصف، وتمحقه، وتسحقه، وتطيح بمكانته التي تميز بها عن سائر الكائنات. ولكننا ورغم كل ما يعترينا من عجز أمام الأسئلة الكبرى، نظل في حالة حب مع المدهشات، نظل نسكر لمجرد رؤيتنا غرائبية المشاهد العظيمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحب المدهشات نحب المدهشات



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 08:52 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

1.2 مليون زائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب

GMT 23:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السودانية هديل أنور بطلة تحدي القراءة العربي

GMT 10:26 2013 الثلاثاء ,20 آب / أغسطس

دار إبداع تصدر الكتاب الساخر "يا صلاة العيد"

GMT 14:26 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

10 أخطاء يجب تجنبها عند اختيار ديكورات المنزل

GMT 12:22 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق اختبارات مسابقة "جولدن سينجر" للمواهب

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 23:40 2017 الجمعة ,24 شباط / فبراير

إكسسوارات تمنحك الهدوء والراحة في غرفة النوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates