المسافة بين العقل والقلب بمقدار شعرة

المسافة بين العقل والقلب بمقدار شعرة

المسافة بين العقل والقلب بمقدار شعرة

 صوت الإمارات -

المسافة بين العقل والقلب بمقدار شعرة

بقلم : علي أبو الريش

نتخيل كم هي المسافة بين العقل والقلب، ونعتقد أنها كالمسافة بين الشمس والقمر، وأن العقل يقف على مسافة من القلب لا تزيد على شعرة.

العقل كائن جبار، ومراوغ، ومخاتل، والقلب مخلوق عفوي يخرج من ترب الفطرية ولا يتزحزح قيد أنملة، بينما العقل بدأ في الغابة يرعى أشجار الحياة بتؤدة ولما بلغ به النضج انفلت مثل الموجة الخارجة من أحشاء البحر، يلطم سواحل الفكر حتى الإدماء، ولو تأملنا كيف تحول الإنسان الفطري إلى أسطورة في الخداع، والتملص من المواقف المحرجة، سنجد أن لهذا العقل مخالب لا تقل شراسة عن مخالب الشيطان، من مكر ودهاء، ما يجعل هذا العقل ينكص تارة إلى الطفولة الباكرة، فيعبث بمحتويات الحياة، ثم ينهض في رعونة ومراهقة، فيمسك بالقيم الإنسانية بشطط وغلط، ثم يعود إلى شيخوخة واهنة، فيطيح بمنجزات الحضارة ويجعلها كعصف مأكول.

اليوم من يتأمل المشهد الإنساني يرى كيف يفعل العقل بحضارة بنيت على مدى قرون لأجل إسعاد الإنسان، ولكن العقل المخادع لم يستأنس هذا المنجز، فنرى كيف تتسابق دول منهكة اقتصادياً، وشعوبها تعيش على الكفاف في إنشاء مفاعلات نووية تكلف هذه الدول مليارات الدولارات، كل ذلك من أجل إرضاء العقل الجبار، ومن أجل تحقيق التفوق على الغير، وإرهابه، وزرع المفارقة الذاتية بين طرفين كان بالإمكان أن يتعايشا بوازع القلب، ومن دون خسائر ولا جوع، ولا عطش.

العقل هذا هو نفسه الذي بشر العالم بمبادئ حقوق الإنسان، وهو نفسه الذي يتحدث عن علم ينفع، وأخلاق تدفع عن البشر شرور الظواهر الطبيعية، وهو الآن الذي يشيع فاحشة الدمار، وينشر طغيان الأسلحة الفتاكة، ويوزع الخوف في ربوع العالم، من أجل فرض سيطرة دولة على أخرى، وفرض ظلمها جوراً وعدواناً.

وتحت شعارات دينية، أو أخلاقية، أو قيمية، تكشر السياسة العقلية عن أنياب الكراهية، وتسهب في الفيض من غيض في تحميل الحياة ما لا تتحمله ويتحول العالم الذي يعيش في القرن الواحد والعشرين إلى عالم غابي فج وقميء يرفض القلب عندما يستفتي نفسه، لأنه ما من شيء خرج من الطبيعة يألف ما ألفه العقل، غير العقل، والقلب منه براء.

القلب القابض على جمرة الانغماس في الطبيعة، بسكن في المسافة ما بعد الشعرة، ويطل من خلالها ويتأمل المشهد ويقول أعوذ بالله من شر ما خلق.
 المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسافة بين العقل والقلب بمقدار شعرة المسافة بين العقل والقلب بمقدار شعرة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 16:11 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

فوائد الطماطم المجففة

GMT 02:34 2015 الأحد ,04 كانون الثاني / يناير

اندلاع حرائق أحراج عنيفة في إيديلايد جنوب أستراليا

GMT 11:59 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ملك المغرب محمد السادس يصل إلى البلاد

GMT 23:13 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة متسابق مواطن في حلبة أم القيوين للسيارات

GMT 16:32 2013 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صدور مجلد الزراعة في بلاد الشام من خلال المخطوطات والوثائق

GMT 02:40 2013 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

سامسونغ تطلق ثلاث اصدارات لعائلة Galaxy Tab 3

GMT 01:56 2013 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عواقب "حمّى المناخ" ستطاول عشر سكان العالم

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

شركة "مانتا" تطلق هاتفها الجديد بدون أزرار

GMT 11:03 2016 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

ميريام فارس وريهام أيمن إطلالاتهما في أواخر أيام حملهما

GMT 08:37 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عرض حلقات مسلسل "لأعلى سعر" على قناة "cbc"

GMT 06:03 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

ميونيخ هي الأعلى في معدل إيجارات المساكن في ألمانيا

GMT 05:30 2017 الأربعاء ,29 آذار/ مارس

مطعم سفرة يُعلن عن عروض مميزة مع وجبة البرانش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates