بقلم : علي أبو الريش
في حوار، أشبه بالمسرحية الهزلية، أجراه الإعلامي الكبير داوود الشريان مع أحد المتطرفين المتشددين، جلس الرجل كأنه امتلك اليقين من رب العالمين، وسرد قصة حياته بأسلوب المعتوهين قائلاً: أنا خريج الابتدائية، خرجت في الجهاد في أفغانستان مع «إخوتي المجاهدين»، بعد ذلك عُدت ولا أدري كيف انخرطت في إدمان الحشيش لمدة سنوات، ثم بقدرة قادر تحررتُ من الحشيش، لأعود إلى الجهاد. وقضيتي الوحيدة الآن، هي قبر الرسول وصاحبيه، أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب في المسجد النبوي، وهذا أعتبره كفراً، وكل من لا يرفض هذا الرأي، فهو كافر ويحق قتله، وبأي وسيلة، ولما سأله الشريان أن الأئمة المسلمين جميعهم يُجمعون على ألا شبهة في وجود قبر الرسول في المسجد النبوي، أجاب المتشدد: إن هؤلاء -أي الأئمة جميعهم- كفرة.. ولما سأله عن أبيه، فقال المتشدد: إنه للأسف مات كافراً لأنه لم يعلن تكفيره للكفرة.. ثم سأله داوود الشريان عن نفسه وقال له: وأنا هل تعتبرني كافراً؟ قال: نعم.. وقال له: وهل تود قتلي؟ فأجاب: نعم، ولو استطعت لفعلتها، وبأي وسيلة، وحتى بالخنق.. ولما سأله عن المسلمين في العالم، قال الحشاش المتشدد: نعم كل هؤلاء كفار لأنهم لم يعلنوا رفضهم لوجود قبر النبي، صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي.
إذاً نحن أمام نموذج حي لمتطرف يمثل شريحة تعيث فساداً في الأرض، وألغت جُلّ القضايا الجوهرية، وتمحور فكرها حول قبر الرسول، واعتبرت أن تحويل القبر عن المسجد سوف يحل كل القضايا، ويقيم الدولة الإسلامية المعتبرة والمهمة، والتي ستضع نصب عينيها تحقيق الآمال الإسلامية.
والحديث عن المتشدد الحشاش يعيد الذاكرة إلى القرن 430 هجرية، وإلى الحسن بن الصباح مؤسس هذا الفكر والناشئ عن الفكر الشيعي، ثم الطريقة الإسماعيلية الفاطمية.
ووسيلة هؤلاء في نشر أفكارهم تقوم على الاغتيال المنظم، وذلك عن طريق تدريب الأطفال على الطاعة العمياء والإيمان بكل ما يلقى إليهم، وعندما يشتد ساعدهم يدربونهم على الأسلحة المعروفة لا سيما الخناجر، ويعلمونهم الاختفاء والسرية، وأن يقتل الفدائي نفسه قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم، وبذلك أعدوا طائفة «الفدائيين» الذين أفزعوا العالم الإسلامي، وأشاعوا الخراب والدمار، وقد غرق الحشاشون بالفسوق وسمّوا أنفسهم المتطهرين، وقد اختلط الرجال والنساء في حفلات الشراب، وأعلن أحدهم أن رشيد الدين بن سنان هو ربه، وسنان هذا أحد زعماء الحشاشين، وشعارهم «لا حقيقة في الوجود وكل شيء مباح».
من رؤية كهذه لا نستغرب سلوك المتطرفين ولا نشعر إلا بطرح الأسئلة التي يجب أن تكون حاضرة في ذهن أي مسلم.