إدانة للذات

إدانة للذات

إدانة للذات

 صوت الإمارات -

إدانة للذات

بقلم : علي أبو الريش

اليوم، وبعد أن فتحت النوافذ، وأشرعت الأبواب، أصبح من الممكن دخول الغبار في الغرف، وتلويث الأثاث، بل صار العقل مكباً للنفايات والفضلات، واحتشدت في النفس البشرية جموع الخلايا السرطانية الناشطة، ولم يعد أمام المعالجين والمحللين والمفكرين، وهم كثر، بل ويزيدون عن عدد سكان الأرض بفعل تكاثر الفضائيات، التي هي أيضاً تتوالد مثل الفئران الجائعة.

أصبحت الإدانة لكل شيء وللشيء وللاشيء ولم يعد أمام العقل إلا أن يقف ساهماً عاجزاً أمام هذا الكم الهائل من الإدانات، ضد الذات.

ما يحدث أشبه بالإناء المملوء بالحمض، فإذا به يندلق فجأة ويسيح السائل الحمضي، ليسمم الحياة ويطيح الأمل الإنساني، ويحول الحياة إلى ملعب لمصارعة الثيران

. ففي الحرية السائلة مثل إطلاق الحرية لرضيع ليمضي من دون رقابة، فإذا به يقع في البئر العميقة. ما يحدث يثير الشفقة على إنسانية أضاعت مفاتيح المنزل عندما هرعت هاربة من الجدران الملتهبة بالكبت، ولما أرادت أن تأوي إلى مخادعها لم تجد ما تفتح به الأبواب، فظلت في الخارج، هناك في العراء، هناك في الضياع، وفي صدمة الانفتاح الذي لم تصاحبه مفاتيح تحدد مستوى الضجيج.

اليوم ونحن وسط الموجة العارمة أصبح العذل والبذل بسخاء لكسر قشرة جوز الهند مثل هجاء شعري في عصره الجاهلي، لا أحد يعرق له جبين، ولا أحد يرف له جناح ضمير، ولا أحد يخشى لومة لائم، بل إن الإناء الزجاجي انكسر وأفرغ ما فيه من معانٍ، وآداب الحديث وقيم الخطاب. كل شيء أباحته واستباحته وسائل السحر الإعلامي، بل إن كل باحث عن آثار أو راوي قصص خرافية تحول إلى إعلامي فذ يحسب له ألف حساب، لأن الوسيلة سهلة ورخيصة برخص ما تقدمه من خبر أو صورة.

هذه الأخبار التي صارت، مثل «العومة» في موسم تكاثرها، والصور التي استحالت إلى رسوم متحركة وكاريكاتيرات سخرت فقط للضحك على العقل المأزوم بقضايا التفتيت والتشتيت والنيل من إنسانية الإنسان والحط من قدره. فعلاً نحن في مرحلة ما بعد الفراغ الثقافي، نحن خارج الوعي وداخل الدوائر المتشظية بالفوضى، والغوغائية المحتقنة بالهم الذاتي، والذاهبة بالمصير إلى ما نهاية، أي في اللامنتمي. الحرية السائلة المفتوحة مثل البالون، هي مثل مكبات القمامة تمتلئ بكل شيء فارغ، ولا دوام للامتلاء.

فالعقل القادم من التاريخ مثل زجاجة العطر المملوءة، ما إن يدخل خطة الحرية اللامسؤولة، حتى يصبح زجاجة عطر فارغة، مقرها المزابل. ويذكر البرتو ميلوتشي وهو إيطالي، أستاذ في الاقتصاد السياسي: «نحن مصابون بهشاشة الحاضر الذي يحتاج إلى أساس ثابت، في حين أنه ليس هناك واحد كهذا». فالإنسانية تخون العقل بحجة الحرية، عندما تدخله في حلبة السير على الرأس، وترك الأقدام هي التي ترسم خريطة الوعي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدانة للذات إدانة للذات



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 01:23 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

منتدى الشعر المصري يناقش كتاب "السلطة والمصلحة"

GMT 15:50 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نصائح بسيطة للحصول على مطبخ ريفي أنيق

GMT 05:40 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 00:27 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

جينيفر لوبيز تنزلق على خشبة المسرح أمام الجمهور

GMT 04:35 2014 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

93 لوحة لـ 22 مبدعًا في معرض "ثمرة"

GMT 13:50 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

صبري فواز قيمة مع السنوات

GMT 14:30 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف علي المواصفات الكاملة لـ"كيا سيراتو 2019" الجديدة

GMT 22:03 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

انطلاق معرض تشكيلي في المدينة المنورة

GMT 01:59 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي الخميس

GMT 02:05 2016 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

"هواوي" تطرح هاتف "Y6C" في مصر بأسعار تنافسية

GMT 14:41 2013 الجمعة ,22 شباط / فبراير

صدور كتاب باللغة الكوريّة لقصائد سعاد الصباح

GMT 11:59 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

توقيع "أذان الأنعام" لعماد حسن في شبابيك آخر الشهر

GMT 11:51 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تثير إعجاب الجمهور بحضور عيد ميلاد توأم زينة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates