بقلم : علي أبو الريش
يقول «أوشو» العظيم: لا بد أن تكون رؤيتنا أكثر شعرية، ولكن كلما غصت في الشعر أصبح الشعر أكثر شبهاً بالحب، وأبعد عن المنطق، وفي قاع الشعر يختفي الوضوح ويصبح كل شيء جميلاً، كل شيء غامضاً، ولكن كل شيء مميز.
استدعيت السياب سيدي، وهو الذي كان يستنطق نخل البصرة، ويجدل السعفات خصلة، خصلة، لعل العراق ينهض من تحت ركام الغضب، ولعل الفرات يستعيد نخوة الذين ولوا الأدبار، وتواروا خلف التصنيف، والتزييف، والتحريف، والتخريف.
كنت في القصيدة وجعاً عروبياً، يستدرج وعينا، ويهيب بالمختبئ في معطف صمتنا، كي يقول ما قاله مارتن هايدجر (الإنسان هنا) كي يتحدد وجودنا كما هي الشمس المتناهية إلى اللامنتهي، وكي تمضي الركاب من غير رجفة رعب، أو خفة سغب، وحدك يا حبيب ولا غيرك الذي منح القصيدة شغف الموجة، ولهفة الصحراء للمطر، وحدك فقط، أمسكت بخيط الوجود، منبعثاً من ثنايا قلقك الجميل، وأحلامك، فراشات تهفهف عند شغاف الموت كي تحيي العظام الرميم.
هذا السياب، هذا أنت هذا كل الكل، هذا الحب النابت في السجايا والنوايا، والطوايا، ورزايا الآخرين نفاية التاريخ، ولحظة الصرخة المدوية على لسان نيرودا أنت تعرفه، كما تستدعي كل العشاق الذين جاشت ضمائرهم شعراً، لم يبلله خريف الغضب، بملح التقهقر إلى الوراء، والمكوث عند رصيف الذبول.. الذبول... الذبول.
شكراً حبيب لقد أيقظت فينا الذاكرة، وهي لم تزل متخمة بالنسيان، وأشعلت نبراسنا وشمعة الحب أسكنتها في ما ظل وما غوى، لكنه هوى، وفي الهوى عشاق، خبأوا شيئاً من أحلامهم في دفتر الأيام، لعل وعسى يخرج مارد الشعر من قبره، ليرى كيف هو العراق، وكيف هي نخيل البصرة تحللت من لباسها القديم، وارتدت قميص آدم المصلوب على عرائه، وخيبة الذاهبين إلى المجهول، يبحثون عن الهوية، ويسألون الله كيف هي النبتة تموت والفرات ما زال يمر من ناحية القلب، جهة الروح.
شكراً حبيب أنك في الشعر قامة، وفي الحب قوامة، وفي ديمومة الحلم مقامة، وإن كان في عالمنا قصيدة، فهي من نسيج بداهتك، وفطرة الكلمة عندما تكون من دم الألم اللذيذ.
شكراً حبيب كنت في اللحظة المفعمة بالتوهج ميسم النار على جلد الذاكرة، فارتعشت في الروح زعانف، الدهشة، والوثبة المذهلة، ارتعشت غيمة باريس، فأمطرت قصائدها على أغصان الأشجار العارية، وفي خضم البرودة، كان الدفء في القصيدة، كانت الحرقة المشتهاة، وكنت أنت سيدي بداية الخلق، نهاية موت السياب، كنت أنت، صوت القديسين ورهبة الأجراس، المجلجلة في ضمائرنا، المزلزلة في مخدع السياب. نقلا عن الاتحاد