الإنسان والضمير 1

الإنسان والضمير "1"

الإنسان والضمير "1"

 صوت الإمارات -

الإنسان والضمير 1

بقلم : علي أبو الريش

يقول شيشرون «إن الضمير هو المسرح الرئيس للفضيلة، وفي ذلك المسرح يؤدي المرء دوره في كل الأحوال». وليس الضمير حالة راهنة ومفتعلة، وإنما هي الأثر الداخلي الضارب جذوره في التاريخ.

قبل سقراط تجرع السم، بوازع من ضميره الأخلاقي الذي رفض تعسف الإنسان بحق الإنسان. كما قبل ابن رشد هجوم الخصوم، دافع عن قيمه الدينية، بدافع من ضميره الأخلاقي أيضاً. ودخل فولتير سجن الباستيل، درءاً لخطر الإسفاف الكنسي، وذاق مانديلا السجن لمدة عشرين عاماً، دفاعاً عن حرية وطنه، الذي انتهك حرمته المستعمر الأبيض. ولكن ما هو هذا الضمير؟ في الوعي الإنساني يكمن الاسم لشيء مجسد ملموس، يعيش مع الإنسان ويجاوره في حياته اليومية على مدى العمر، ولكن في المضمون القيمي فهو وازع أخلاقي نابع من الخارج، كما أنه قادم من الداخل، هذا المزيج من طيفي الضمير، يعبر عن كون الإنسان ما هو إلا مزيج من ثقافة متوارثة بيولوجياً وسيكولوجياً، مثلما يتداخل الماء الحلو بالماء المالح ليتكون المحيط. والإنسان هو المحيط الأزلي، الذي بدأت حياته مع الضمير في مكافحة العدوان الخارجي الذي تشكله الطبيعة، وضواري الغابة المتوحشة، ولما برز الوعي بأهمية الأخلاق، كان الضمير هو التجسيد الملائم لوضع حد لعشوائية الأخلاق التي تتبناها إرادة الغابة. ولكن التطور الثقافي للعنصر البشري، والأبنية الحضارية التي برزت من خلال النشوء والارتقاء للوعي، وظهور العقل كمعادل لأحكام الطبيعة كان البيت الواسع الذي شُيد فيه الضمير غرفة المحكمة، وسار على أساسها يقلب مفاهيم الحياة حسب الظرف التاريخي الذي يمر به البشر، وعلى مر العصور أنتج العقل الضمير الوثني، والضمير الديني، ثم الضمير العلماني، وهو الضمير الذي قلب موازين العقل، وغيَّر من علاقة الإنسان بالمحيط الذي حوله، ولولا الثورة الفرنسية في عام 1789م لما عرفت الإنسانية عن شيء اسمه منظمة حقوق الإنسان، هذه المنظمة التي عبرت في داخلها عن صحوة الضمير، بما يدل أن هناك ضميراً آخر مغايراً للضمير الحي. ولكن لما جاء فرويد استطاع أن يغرز إبرة التحليل في هذا الجسد اللامرئي ويضع التفسير الحقيقي لمعنى الضمير، عندما اكتشف اللاشعور، واعتبر الأنا هي المكان الحقيقي لما أطلق عليه «الضمير»، ونتج عن هذا الاكتشاف المذهل أن الأنا المتخفي تحت كل هذا الغلاف السميك، هو مصنع الخيال الجم للمترادفات الأخلاقية.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنسان والضمير 1 الإنسان والضمير 1



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 16:11 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

فوائد الطماطم المجففة

GMT 02:34 2015 الأحد ,04 كانون الثاني / يناير

اندلاع حرائق أحراج عنيفة في إيديلايد جنوب أستراليا

GMT 11:59 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ملك المغرب محمد السادس يصل إلى البلاد

GMT 23:13 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة متسابق مواطن في حلبة أم القيوين للسيارات

GMT 16:32 2013 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صدور مجلد الزراعة في بلاد الشام من خلال المخطوطات والوثائق

GMT 02:40 2013 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

سامسونغ تطلق ثلاث اصدارات لعائلة Galaxy Tab 3

GMT 01:56 2013 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عواقب "حمّى المناخ" ستطاول عشر سكان العالم

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

شركة "مانتا" تطلق هاتفها الجديد بدون أزرار

GMT 11:03 2016 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

ميريام فارس وريهام أيمن إطلالاتهما في أواخر أيام حملهما

GMT 08:37 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عرض حلقات مسلسل "لأعلى سعر" على قناة "cbc"

GMT 06:03 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

ميونيخ هي الأعلى في معدل إيجارات المساكن في ألمانيا

GMT 05:30 2017 الأربعاء ,29 آذار/ مارس

مطعم سفرة يُعلن عن عروض مميزة مع وجبة البرانش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates