علي ابو الريش
المتعصب شخص أعمى، يسير في الطريق، خلف شخص آخر، آمن به، ووثق بقدراته، وهو يريد من الآخرين أن يحذو حذوه، المتعصب مؤمن ليس عارفاً، والفرق بين المصطلحين شاسع كضفتي المحيط، المؤمن بشخص أو بفكرة، إنما هو انغمس بهذا الشخص أو الفكرة، دون وعي منه، هو كالمخدر الذي أدمن على مادة التخدير، ولا يمكنه التخلص منها رغم ضررها الفادح بصحته، أما العارف فهو الشخص الذي أدرك بوعيه الطريق الذي يسلكه، ولذلك فهو متريث وصابر ومثابر من أجل أن يرى الناس جميعاً في حال المعرفة والوعي والإدراك للوجود.
المتعصب كائن منعزل عن الحياة ومنزو في حفرة الانفصال عن الآخر، الأمر الذي يجعله غريباً وجافاً إلى درجة التيبس والذبول والاضمحلال، وبطبيعة الحال عندما يكون الإنسان واقفاً عند ربوة نائية فإنه لا يرى غير نفسه، ومن لا يرى غير نفسه، لا يجد ما يشعره بأهمية الآخر، وبالتالي فإنه يقف أيضاً في منأى عن الضمير الذي يصحبه إلى مناطق الوعي، ويدق في مسمعيه أجراس اليقظة، فماذا يمنعه من الغضب، ثم الشرب على نخب دماء الأبرياء. المتعصب ليس لديه مساحة من الوقت كي يفكر بأن هذا خطأ، وهذا صواب، هو في الأنبوب الضيق، ويشعر بالاختناق، إذا لم يشق قميص الحقيقة، ويبرز في الوجود كشوكة ناتئة ليس لها من وظيفة، غير إيلام الناس وإدمائهم، هو لا يشعر بوجوده إلا عندما يؤذي الآخر، لأنه يفقد وجوده بوجود آخر مغاير لأفكاره، مناقض لقيمه، هو لا يجد قيماً صحيحة غير قيمة، وبالتالي يشعر أنه لا داعي لوجود الآخر، ولابد من سحقه.
المتعصب كائن صخري، حاد ومزيف اختار الزيف وارتضاه وأصبح جزءاً من كيانه المهلهل. المتعصب مثل بقعة زيت مترسبة على شطآن الحياة، لزجة وقاتمة ومضرة بالحياة، وعندما يكون الإنسان بقعة زيت، فإنه لا مجال للاستفادة منه كعنصر مساعد على الحياة، لا مجال لمجاورته، لأنه لا ينفث إلا ثاني أكسيد الكربون. المتعصب كمن غطس في جوف غرفة مظلمة، وقضى العمر فيها، وإذا خرج إلى العالم، أو إذا أطل من شرفة في الغرفة، فإنه سوف يصعق، وسوف يرتجف فزعاً، فإما أن ينتحر أو يلقي بالحجارة على المارة، باعتقاده أنهم كائنات، من قضاء آخر. المتعصب لم يزل في الجبلة الأولى، إنه لا يملك غير القوس والنشاب في حواره مع الآخر، لأنه لم يمتلك بعد لغة الحوار، لم يعرف بعد أن هناك عقلاً بسعة الكون، بإمكانه أن يتسع، كل الأفكار، وما الأفكار إلا أدوات لاستمرارية الحياة، ولكل منا أداته التي تكمل عمل الآخر لإنجاز المشروع الأهم ألا وهو سعادة الإنسان.