بقلم : علي أبو الريش
طهّر عقلك من الأفكار والأخبار والأسبار، طهره من الغبار، تصفو روحك، وتصبح شجرة سامقة، وزهرة باسقة، تصير نهراً، تجري جداوله في الوجود، كما يجري الدم الصافي العروق. طهر عقلك من الأيديولوجيات، والرواسب، والشوائب، والعواقب والمصائب، والنواكب والخرائب، تزهر نفسك وتصير حديقة غنّاء، عصافيرها طموحات بحجم المحيط. يقول المسيح عليه السلام (إن لم تولدوا من جديد، لن تدخلوا ملكوت الله).
المحبون وحدهم الذين يدخلون بستان الوجود من أوسع أبوابه، والكارهون نفايات مكانها مكبات الزبالة. عندما يصفو العقل يصبح فضاءً سقفه السماء المرصعة بالنجوم، وسجادته هذه الأرض
المزروعة بالسعادة. عندما يتطهر العقل، يصبح امرأة جميلة، عيناها تغتسل بضوء القمر، وفمها يختبئ عند غيمة ممطرة، وجبينها يسهر على هديل الحمام. عندما يتطهر العقل، يصحو الوجود على نداء الطير، حيّا على الفلاح، وتبدو النسائم ملاذات الأرواح الشفيفة، والعالم في احتفال بهيج، عندما يتطهر العقل لا يصبح مكاناً للأنانية، ولا مجالاً للفوقية، ولا محطة للعنجهية، ولا سبيلاً
للعدمية ولا نافذة الكراهية، عندما يتطهر العقل تنمو العفوية ويتعافى الكون من الأنا المتورمة، والفواصل تختفي وتغيب النقاط في آخر السطور، وتفصح الرواية عن شيم وقيم وأواصر، مثل قلادة خرزاتها ألمع من عيني الطير. عندما يتطهر العقل تصبح للروح أجنحة، وللحب أشرعة، والفرح شرشف خيوطه من حرير الوعي، وإبرته فكرة مجللة بالبياض مكللة بالبراءة. عندما يتطهر العقل لا يكابر الصغير، ولا يطغى الكبير، وتبدو الحياة ثرية بالأنوار والأزهار والأطوار والأدوار والأفكار، والإنسان محور التطور، عندما يتطهر العقل، تصير المرايا صافية، والوجوه مثل النهار، لا تغشيه عاشية، ولا تكدره فاشية. عندما يتطهر العقل، لا يشبه الفرد إلا نفسه، ولا يحلم إلا كحلم الأطفال. نابتاً من الفضيلة منتهياً إلى قوة الروح. عندما يتطهر العقل تمارس كل شيء في حياتك بقدسية، وطهارة تقدس عملك، تقدس أصدقاءك، تقدس زوجتك أو زوجك، تقدس الطريق الذي تسير فيه، تقدس خادمتك التي تعمل في بيتك.
تقدس العامل الذي يصلح لك الطريق، أو ينظف المرافق، تقدس الشخص الذي يطلب منك عوناً أو مساعدة، تقدس الحياة، تكون أنت في الحياة، وليس خارجها، تكون أنت عند ضفة النهر، تنشف ثيابك تحت أشعة الشمس، تكون أنت الشمس والشعاع عقلك المستنير.