بقلم : علي أبو الريش
لو تخيلت أن تريد أن تزرع شجرة ماذا ستفعل بداية؟ الشجرة بحاجة إلى تربة، أي أن تكون التربة نقية من الحصى، والنفايات، هكذا هو القلب، لا ينمو في وسط الأفكار المؤلمة، لا يرعرع، في حقل مشوب بالكراهية، لا تزهر أشجاره، في جو يتلظى بالشخصانية، فإن تحب لا بد أن يكون الوعي واسعاً كالمحيط، شاهقاً كالجبال، لأن الوعي سماوي وليس أرضي، عندما يتسع يتجاوز حدود الواقع الأرضي، وعندما يرتفع فهو يكون كالنجمة، مشعاً لا تشوبه شائبة، الغبار الأرضي، وعندما يكون الوعي هكذا يصبح الحب هو الحقيقة، ودائماً ما تكون الحقيقة في قلب العالم، الحقيقة هنا وليست هناك، يقولون لك ابحث عن الحقيقة لأنهم يريدون تضليلك، ويريدون إخفاءك، يريدون أن تبحث عن شيء في داخلك، في المكان الخارجي، لأنك إنْ ذهبت بعيداً عن نفسك سوف تغترب عنها، وإنْ اغتربت عن نفسك سوف تجهلها، وهنا تكمن المعضلة.
نحن نفكر في الحب، نريد أن نحب غيرنا، ونحن لا نعرف أنفسنا، لا نحبها، وفاقد الشيء لا يعطيه، وعندما نعجز عن حب أنفسنا، نصبح صغاراً، فلا يرانا أحد، ومن لا يراك فكيف سيحبك، إذاً البداية، الفردانية، وهي غير الأنانية، في الفردانية يكون الإنسان يمتلك ذاته، محيطا بوعيه، ممسكا بالجهات الأربع، فكيف يضيع من لديه بوصلة الشروق والغروب.
في الفردانية يكون للوردة تحب الوردة، هفهفة أجنحة الفراشات، ويحب الطير دغدغة الماء في أحشاء الجدول، في الفردانية يجتمع الوجود، في احتفالية الفرح ويحضر الوعي زاهراً، زاهياً، مزدهراً، منمقاً، عريقاً، عميقاً، متشوقاً لعناق السماء والأرض، عندما يحضر الوعي يكون الحب مثل النهر، خالداً، سائداً، ماجداً يطوق القلوب بقلائد وفرائد وقصائد ويمضي بالأحلام باتجاه النجوم كي يغسل محياها لتضيء أكثر، يذهب نحو الغيمة كي يسألها مواعيد المطر. عندما يتسع الوعي يكون الحب كبيراً، والعالم قلبه أو هو في قلب العالم، فلنتخيل أن يكون للعالم قلب واحد يسكنه الحب، فأين ستكون الكراهية؟ إنها خارج الكرة الأرضية، إنها في اللاشيء، إنها في العدم، هكذا هو الحب عندما يكبر تنتهي الكراهية بانتهاء الفروق بين الأديان والألوان، والأشجان، ويكون اللحن كونياً، ويكون الإنسان محيطاً زعانف أسماكه، من أهداب الشمس، وأشرعة مركبة كأجنحة الطير، شفيفة، عفيفة، رهيفة، منيفة، عندما يتوسع الوعي يكون الحب بلا أيديولوجيا ضيقة.