بقلم _علي أبو الريش
لا تدع للضجيج مكاناً في رأسك، ستخلع الحقيقة معطفها، وستراها بكامل حسنها.
كُن في قلب السكينة، ستكون في مأمن من الحشرجة، ستكون في منازل الفكرة الناضجة، ستكون أنت وليس غيرك.
الضجيج يجعلك ضئيلاً وتافهاً، وبلا معنى، الضجيج يسرق منك فردانيتك، ويجعلك في قلب الموجة الحانقة، الضجيج، يضع أصابعك في جوف الجمرة، الضجيج يحرقك، ويحولك إلى رماد المواقد المشتعلة صفاقة.
عندما ينهمر الضجيج في رأسك، تصبح أنت مثل حشرة مذعورة، فلا تستطيع الإمساك بأطراف الوردة التي تسعى لشم عطرها تصبح أنت مثل غصن أهيف تصفعه الريح من كل الجوانب، وتطيح بأوراقه الخضراء، وبعد حين، يصبح كعود ثقاب تالف، لا معنى له.
الضجيج يأتيك بأفكار مسبقة، ومبعثرة مثل نشارة الخشب، الضجيج يأتيك بصور مبهمة، ولكنها مخيفة تجعلك تخوض في اللا معنى، تجعلك تبحث عن مسمار ثباتك، فلا تجد غير الحيرة تغلل عنقك بالوهم، ويذهب بك الوهم إلى الحفرة السوداء، هناك تقع كل محتويات ما تفكر فيه، تتلقفها الأرض الرملية، ولا تجد شيئاً غير الفراغ، والفراغ يبعدك عن الحقيقة، والحقيقة بدورها ترفع قضية جنائية ضدك، لأنك أهملتها، وسعيت وراء حثالة أفكار، وصرت مثل من يبحث عن مصيره، في مكب القمامة
.
الضجيج كائن فوضوي، لا يدع لك مجالاً للتفكير بوضوح، هو مثل الضباب، الذي يحجب الرؤية أمام قائد مركبة، في شارع مزدحم بالعربات المتهورة.
الضجيج مثل أمواج المحيط تتصاعد مثل الجبال، حتى تقلب مركبك، وتطيح بآمال وصولك إلى مرافئ الأمان.
الضجيج يمنع عنك رؤية الأشياء كما هي، ويلونها بألوان رمادية، شاحبة، ويصخب في رأسك، حتى تشعر بالدوار، ويداهمك الغثيان، وتقع على الأرض مغشياً عليك، ولا يسعفك أحد، لأن الآخر في هذه اللحظة يكون بعيداً عنك، بعدما غصت أنت في رمل الضجيج، واختفت معالمك، وصرت مثل حبة قمح، في عمق الرمال الكثيفة.
الضجيج ينتهك حرمة التفكير بأناة وروية، تصبح أنت الباحث عن فكرتك الناصعة، مثل الباحث عن إبرة في كومة قش.
الضجيج يحتلك، ويمتلك كل خصائصك الإنسانية، فتصير كائناً آخر، شائه، ومزيف، وقد ترتكب أفظع الجرائم، دون أن تدري ماذا تفعل، ولماذا تفعل ما تفعله، لأنك في هذه الحالة، تخرج من قفص الضجيج، مثل ذبابة حوصرت في جوف زجاجة أغلقت بقمع محكم، ثم أطلق سراحها.