بقلم _علي أبو الريش
ما بين الصدق والنفاق، نفق أوسع من صحراء قاحلة، وما بينهما سواد الليل وعتمة الغيمة الجاهمة، وكآبة القبح، وسماجة الكذب، وقماءة الدجل، وبذاءة الحمل الكاذب.
ما بين الصدق والنفاق، حبل غير ودي، وعلاقة غير شرعية وبحر كائناته من سلالة خرافية، ونهر أشجاره سيقانها من عظام بشرية أقدم من الدهر، وجبل أحجاره من جيف كائنات نافقة، وبيداء رملها من نفايات عصور بائدة.
ما بين الصدق والنفاق، خيط بسمك الابتسامات الصفراء، ورثاثة أنياب ضباع جائعة.
ما بين الصدق والنفاق، سماء نجومها من حصى، وأقمارها من بهتان الغواية الشيطانية.
ما بين الصدق والنفاق، مسافة أوسع من القارات الخمس، يقطعها المنافقون في برهة، ويتهجى الصادقون تضاريسها بعسر ما بين الصدق والنفاق كتلة من الألم، يتجاوزها المنافقون، وكأنهم يقفزون على حبل بارتفاع شبر، ولا يتخطاها الصادقون إلا بعد البسملة، والتفكير بما تؤول إليه كلمات ما بعد البوح.
ما بين الصدق والنفاق ضميران، أحدهما يقظ، والآخر يغط في سبات عميق، بل هو ميت نسي حفارو القبور دفنه.
ما بين الصدق والنفاق وعيان، أحدهما لامع مثل القمر، في يومه الخامس عشر، والآخر قاتم مثل مرآة قديمة.
ما بين الصدق والنفاق خطان، أحدهما أبيض ناصع، والآخر أسود كالح.
ما بين الصدق والنفاق إنسان، لم تسقط من بين يديه كتب الأولين المخلصين، والآخر نسي في درج الذاكرة، الدرس الأول في الحياة، وهو أن يمسك بتلابيب الحقيقة كي يعبر ضفة نهر العلاقة مع الآخر.
ما بين الصدق والنفاق، محاولة شديدة العناد، للتفكير بوضوح ومن غير لجلجة، أو قلقلة، أو بلبلة.
ما بين الصدق والنفاق حالة من القيء والغثيان، عندما يكون النفاق وسيلة للطيران إلى آفاق الأهداف المعلقة على مشجب المصالح الشخصية.
ما بين الصدق والنفاق كلمة أشبه بالعلكة، نمضغها لاستدرار الريق، خوفاً من جفاف الشفتين.
ما بين الصدق والنفاق فكرة وهمية، ترعرعت في نفس ضعيفة، وما بين الصدق والنفاق أضغاث حلم رسمت صورة الحياة بالمقلوب.
ما بين الصدق والنفاق جزيرتان، إحداهما طيورها تغرد كي تنعم على الوجود بالبوح الجميل، وأخرى تنعق لتصيب الشمس بالكسوف.
ما بين الصدق والنفاق شخص متألق، وآخر متسلق.