مستر داماس الخطير

مستر داماس الخطير

مستر داماس الخطير

 صوت الإمارات -

مستر داماس الخطير

علي أبو الريش

شجرة داماس العملاقة، في البدء تكون شجيرة رقيقة دقيقة أنيقة، ثم تتعملق فتتملق وتتسلَّق، وتحدق وتحلق في أجواف أنابيب المياه، وفي أحشاء المجاري، وهناك في العمق الخفي تتفرَّع، وتتجرَّع صفو الماء، فتصير كالزواحف تسرق وتمرق، وتحرق، وتشقق البلاط والسيراميك، فلا ينتبه الغافلون إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تصير الشجيرة ديناصوراً، يدفن جسده الكث في أعماق الفوهات والفتحات، والتشققات، وإلى أن تبدأ الانتباهة الأخيرة يكون هذا الديناصور الغريب المريب العجيب، قد سد رئة الماء والهواء، وصار الانفجار العظيم داخل الجدران الصامتة. أشجار الداماس، كائن أحمق، عصبي هيستيري، يبتلع كل ما في الأرض، من ماء وزار ولا يشبع ولا يقنع، ولا يخضع لقوانين الطبيعة، لأنه كائن جاء من أساطير الأرض، ومن قوارير التربة المبتذلة، فيأكل ويركل، ويفصل ويجزل في الخسف والنسف والرجف، ولا يدع شاردة ولا واردة إلا يخضها خضاً ويرضها رضاً، وكأنه يريد أن يقول: من لا يريدني لا يغرس جذوري في الأرض، فها آنذا من طبيعة الوحوش ومن خصال القتلة عندما توضع أوتادي في الأرض أكون قد تمكنت وأمعنت في الغطرسة والبطش.. أشجار الداماس الأخطر على البيئة.. والأشرس على محتويات المنازل، ولن يود أن يسلم على مستقبل هذه الأنابيب الممدودة في أجواف الجدران عليه أن يتحاشى هذا الأخضر المخادع، والمخاتل والمراوغ لأنه كائن غير مرغوب فيه، مهما بدا عليه من يفوع وينوع، ومهما تحلى به من اخضرار منقطع النظير، لأنه أخضر يحمل في طياته وأليافه، مطارق الهدم والعدم، والكثير من الناس يستخدمونه في البيوت وحولها كحزام واقٍ من الأتربة، وكعنصر جمالي، لكن هذا الحزام يصبح بعد حين، حزاماً ناسفاً خاسفاً، مجازفاً كاشفاً لعوراته وسيئاته وأولها أنه لا يحرم جداراً، ولا يعتق مجرى ماء إلا وطوقه بأليافه الغليظة الفظة، وخنقه إلى حد الانفجار، وإذا أراد الناس التخلص منه، فإنه يتوجب عليهم، الاستعانة بجيش من العمال، لكي يتعافوا على قلع جذوره الضاربة أطنابها في أعماق الأرض، والمتمكنة من كل ما يقابلها في طريقها إلى منابع المياه.

الداماس خطر، ويا ليت أن تنتبه البلديات، وتصدر قرارات صارمة تمنع استضافة هذا الغصن الأخضر الماكر، وإن تعاقب المخالفين لأنه كائن لا يحترم الضيافة ولا يقدر ظروف من يستقبله ويجله، وإذ كان لابد من الاحتفاظ بهذه الشجرة كونها أصبحت جزءاً من البيئة، فإن مكانها يجب أن يكون في المزارع والشوارع البعيدة عن أماكن تواجد البيوت، والمحلات التجارية والبنايات.. ومن يجرب هذه الشجرة ويصافح عودها اللين، يعرف مدى الخديعة والشرك الذي تنصبه الداماس، من أجل اصطياد مشاعر الناس البسطاء، والذين يؤخذون بالأخضر اليانع، ويستهويهم هذا اللون، لأن الصحراء الصفراء ألبت عواطف الناس، ضد كل ما هو شاحب وقاحل، ما جعلهم يلهثون وراء الداماس، وغير الدامس، ولكن ليس كل ما هو أخضر، طيب العود، ريان الساق، مليئاً بالحب.. فالداماس شجر من فصيلة الكائنات التي تخون ولا تمون، وتفرق ولا تخفف من النزيف.
 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستر داماس الخطير مستر داماس الخطير



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates